تعددت مكارم الهاشميين نحو أبناء أمتهم العربية والإسلامية في العصر الحديث، ومنها مساهمتهم في الإعمار الهاشمي للمسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، والمعالم الإسلامية الأخرى في القدس الشريف، وكذلك الإعمار الهاشمي لمساجد الأنبياء والصحابة ومقاماتهم في الأردن، وأبرز المواقع الإسلامية والتاريخية فيها.
حظيت مدينة القدس ودرّتها المسجد الأقصى باهتمام ورعاية خاصة على مر العهود الإسلامية، وكان دور الأردن دائماً دوراً مميزاً وبارزاً تجاه المسجد الأقصى المبارك، والأوقاف والمقدسات الإسلامية في القدس الشريف، فقد ظهرت عناية الهاشميين بالمقدسات الإسلامية عبر تاريخهم المشرف الطويل منذ مطلع القرن الماضي، وإلى يومنا هذا وقد ظهر تعلقهم بالمقدسات الإسلامية في القدس من خلال ما قدمه الشريف الحسين بن علي عام 1924 من تبرع مادي ومعنوي، كما أوصى بأن يدفن في باحة الحرم القدسي الشريف وتابعه ولده الشهيد عبدالله بن الحسين "الملك المؤسس"، ومنذ أن تولى المغفور له الحسين بن طلال الحكم أصدر توجيهاته وأوامره بضرورة زيادة العناية بالحرم القدسي الشريف، وما يشتمل عليه من معالم إسلامية خالدة، وقرر جلالته تشكيل لجنة خاصة للقيام بمهمة صيانة الحرم القدسي الشريف وترميمه، وصدر قانون بتشكيل اللجنة، وبيان مهامها عام 1954، وتابعه في هذا الاهتمام الكبير حضرة صاحب الجلالة الهاشمية عبدالله الثاني بن الحسين منذ توليه الحكم عام 1999، وذلك من خلال توجيهاته السامية، ومتابعاته المستمرة للجنة الإعمار، وتبرعاته السخية للمحافظة على هذه المقدسات. وقد برز الاهتمام والرعاية الهاشمية للمسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة بإعمارات عدة منها:
أولاً: الإعمار الهاشمي الأول للمسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، وقد حدث ذلك في مطلع القرن الماضي عندما قدم الشريف الحسين بن علي -طيب الله ثراه- للقائمين على المسجد الأقصى، رجال المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى دعمه المادي والمعنوي بتخصيص مبلغ (24.000) ألف دينار ذهبي لإعمار الرحاب الطاهرة، والمحافظة عليها لتبقى رمزاً لوحدة الأمة، وواصل جلالة الملك المؤسس عبدالله بن الحسين الرعاية الهاشمية للقدس، وحرص على متابعة صيانة المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وكذلك على زيارتها بشكل مستمر، ولعظيم محبته لهذه البقاع الطاهرة فقد اختاره الله ليكون شهيداً في يوم الجمعة في 20 تموز / 1951 على أبواب الأقصى رمزاً للفداء، وعنواناً لحب العطاء.
ثانياً: الإعمار الهاشمي الثاني للمسجد الأقصى المبارك، وقبة الصخرة المشرفة (1954-964)، فمنذ تولي جلالة الملك حسين بن طلال سلطاته الدستورية اصدر توجيهاته السامية لحكومته الرشيدة بإيلاء القدس والمقدسات غاية الاهتمام. ولتحقيق هذه الرغبة صدرت مراسيم تشكيل لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك، وقبة الصخرة المشرفة بقانون رقم (32) لسنة 1954 لتأخذ رعاية المقدسات صفة الثبات والدوام، ولتكون الرعاية الهاشمية للمقدسات حقاً ثابتاً تاريخياً وقانونياً.
ثالثاً: الإعمار الهاشمي الثالث للمسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، وقد تم ذلك بعد وقوع مدينة القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، فقد بقيت أجهزة الأوقاف الإسلامية في القدس الشريف مرتبطة بوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية، وقدمت الوزارة كل دعمها المادي والمعنوي لأجهزتها العاملة في جميع أنحاء الضفة الغربية، وخصصت نصف موازنتها لرعاية المساجد والمدارس الشرعية، وكل ما يلزم التراث العربي الإسلامي في المدينة المقدسة، وبقيت لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة تقوم بدورها في رعاية الحرم القدسي الشريف، كما استمرت الحكومة في رصد الأموال اللازمة لعمال الإعمار بشكل متواصل.
وعندما حصل الاعتداء الصهيوني الآثم على المسجد الأقصى في 21/8/1969 بالحريق الصهيوني الذي امتدت آثاره التخريبية إلى أكثر من ثلث المسجد، والتهمت النيران منبر صلاح الدين الأيوبي أصدر جلالة الملك حسين توجيهاته للجنة الإعمار بتحمل مسؤولياتها التاريخية والقانونية، ووضعت الحكومة الأردنية المخصصات اللازمة لإزالة آثار هذا الحريق المشؤوم، ولإعادة البناء الحضاري إلى ما كان عليه ببهائه ورونقه، وتمكنت اللجنة بعد جهود مضنية عام 1987 من إزالة آثار الحريق الصهيوني، وكان العمل من الإتقان والإبداع الفني بحيث نالت عليه اللجنة جائزة الآغا خان. وبلغت تكاليف إزالة الحريق حوالي 19 مليون دينار أردني، عدا الرواتب للجهاز الفني والإداري للجنة الإعمار العاملة في القدس.
رابعاً: هناك مرحلة إعمار رابعة مرت على المسجد الأقصى وقبة الصخرة على يد الهاشميين الأطهار، ومنها إعمار قبة الصخرة المشرفة، إذ أعدت لجنة إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة تقريراً اقترحت فيه إعادة كسوة قبة الصخرة بالنحاس المذهب، وكسوة الأروقة بالرصاص ووضع شبكة الإنذار والإطفاء، وإعادة الكسوة الرخامية الخارجية حيث اصدر جلالة الملك حسين رحمه الله أوامره آنذاك (أواخر الثمانينات) بتصفيح قبة الصخرة المشرفة بحوالي (5000) قطعة ذهبية، وإعادة بناء دعامات السطح. إلا أن ظروف الانتفاضة حالت دون انجاز المشروع، ثم عرضت اللجنة هذا المشروع بعد فترة من الوقت على المؤتمرات والندوات العربية والإسلامية، وجاءت النتيجة مخيبة للآمال، فلم يتلقوا الدعم الكافي مما دعا جلالة الملك حسين رحمه الله للمبادرة بتحمل نفقات هذا المشروع على نفقته الخاصة، فوجه كتاباً لرئيس اللجنة (وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية آنذاك) بذلك، وقد تم الاحتفال بالانتهاء من هذا المشروع في عام 1994.
خامساً: إعادة صنع منبر صلاح الدين الأيوبي للمسجد الأقصى المبارك في 28/8/1993، وصدرت الرغبة الملكية السامية بإعادة صنع منبر المسجد الأقصى على غرار منبر صلاح الدين الأيوبي على يد عدد من الفنيين والبارعين والعمال المهرة المبدعين في الحفر على الخشب، وبطريق التعشيق.
وكان لجلالة الملك عبدالله الثاني جهوداً واضحة في إنجاز هذا المنبر وصنعه إذ كان إتمامه بعناية مستمرة من جلالته، وتمثل ذلك بتبرع جلالته في شهر تموز عام 2006 بكافة تكاليف المنبر، وقام بإزاحة الستار عنه في جامعة البلقاء التطبيقية مؤذناً ببدء عملية إعادة المنبر إلى المسجد الأقصى مجسداً بذلك حرص الهاشميين على إعمار المقدسات الإسلامية، وفعلاً تشرف جلالته بالإعلان عن انتهاء العمل من منبر صلاح الدين الأيوبي في 23/1/2007 تمهيداً لنقله إلى المسجد الأقصى المبارك ليأخذ مكانه الصحيح بدل المنبر الذي أحرقه اليهود عام 1969، وتم نقله للمسجد الأقصى بعد أيام، وقد أثنى الجميع وخاصة أهل القدس ورجال الدين فيها على جهود الهاشميين السخية والمعطاءة في دعم المقدسات، وإنجاز هذا العمل التاريخي العظيم.
كما تمثل الإعمار الهاشمي في مدينة القدس في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني بمظاهر عدة منها:
أصدر أوامره ببناء مئذنة خامسة للمسجد الأقصى في شهر رمضان من عام 2006م.
تنفيذ كافة احتياجات المسجد الأقصى من الصيانة اللازمة، وتجديد فرش مسجد قبة الصخرة المشرفة بالسجاد؛ لما لهذا المكان المقدس من مكانة كبيرة لدى الهاشميين.
أعلن جلالته إنشاء صندوق خاص، ووقف يعنى بالمقدسات، ويساعد على تلبية هذه الاحتياجات، ويضمن استمرارية صيانة المقدسات الإسلامية وحمايتها وإعمارها، وبلغت قيمة الاحتياجات التشغيلية للمسجد الأقصى بما فيها المئذنة وتجديد الفرش لقبة الصخرة حوالي (5) ملايين دينار سنوياً.