الاستفادة من الحركة الإسلامية في الأردن
ياسر ابوهلاله
16-12-2007 02:00 AM
من يريد مصلحة البلاد في هذه المرحلة القلقة سياسيا واقتصاديا يجدر به أن يفكر كيف يمكن الاستفادة من الحركة الإسلامية، لا كيف يمكن مواجهتها واستئصالها. فاستئصال جزء حيوي من الجسم يضر به كله ولا يكون مفيدا إلا في حال الزائدة الدودية. وعلى دعاة الاستئصال أن يدلونا على نموذج واحد ناجح. الجزائر؟ إلى اليوم لم يتوقف مسلسل العنف الذي حصد أكثر من نصف مليون. سورية؟ تطرح الحركة الإسلامية نفسها اليوم، وبتواطئ دولي بديلا لنظام البعث. العراق؟ حلت الحركة الإسلامية بجناحيها الشيعي والسني بديلا لنظام البعث فور سقوطه. أما مصر؟ فالإخوان المسلمون هم القوة الأولى في الشارع بالرغم من نصف قرن من الملاحقة. غزة؟ تبخرت "الدحلانية" الاستئصالية فكرة وأجهزة في غضون ساعات.
في المقابل، ثمة الكثير من الأدلة على نجاح دعاة المشاركة، في المغرب تقدم تجربة العدالة والتنمية نموذجا وصلت جاذبيته إلى تركيا. ورضيت الحركة في الترتيب الثاني في الانتخابات مع أن الاستطلاعات كانت ترجح حصولها على الترتيب الأول. وهي اليوم معارضة راشدة في ظل نظام تداول سلطة قل نظيره في العالم العربي. اليمن؛ مستودع القبائل والسلاح والتنوع المذهبي والمناطقي تشكل الحركة الإسلامية الغراء الذي يلصق مكونات المجتمع وينزع فتيل العنف. وعندما حملت السلاح حملته دفاعا عن الدولة والوحدة. الكويت؛ عندما وقع الاحتلال الكويتي لعبت الحركة الإسلامية دور "الديبلوماسية الشعبية" في الدفاع عن الكويت خارجيا، وقادت العمل الإغاثي في الداخل والتصدي للجيش العراقي.
لم يجد صدام حسين من يتعاون معه في الكويت لأن القوى السياسية كلها كانت - ولو في تجربة ديموقراطية ناشئة – مشاركة في القرار من خلال السلطة التشريعية.
بني في الأردن أول نموذج للمشاركة، فأول مركز عام للإخوان المسلمين افتتحه الملك المؤسس عبدالله، والذي أراد استقبال المرشد المؤسس حسن البنا ومنحه لقب الباشوية كما يكشف عن ذلك مؤرخ الإخوان عبدالحليم محمود في "أحداث صنعت التاريخ" في الوقت الذي تلطخت فيه يد الملك فاروق بدماء البنا.
لم يقتصر تواجد الإخوان على مقرات علنية، بل شاركوا في الانتخابات النيابية، وبعد أحداث السبعين أدخل وصفي التل إسحق الفرحان وزيرا للتربية في حكومته. ومع أنه فصل من الإخوان بسبب المشاركة إلا أن تجربته الفردية كانت من النماذج الفريدة في العالم العربي والإسلامي. وشكلت جسرا للمشاركة الواسعة والمؤسسية بعد عام 1989، وعلى قصر تجربته الحكومية إلا أنه قدم نموذجا أحوج ما تكون البلاد إليه.
عاش الأردن عزلة سياسية واقتصادية، وكان في مواجهة مع أميركا وإسرائيل ونصف العالم العربي لكنه صمد بفضل الشراكة السياسية المبنية على أسس ديموقراطية. وحتى عندما غادر الإخوان مقاعد الوزارة قدموا مع غيرهم أفضل مجلس نيابي بتقدير النخب وبتقدير الرأي العام، كما أظهر استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية قبيل الانتخابات.
من السخف تحويل الشراكة السياسية إلى مقاصة مصرفية قدم الإخوان كذا وقدمت الدولة كذا، شراكة كهذه لها فوائد استراتيجية يمكن تلخيصها بالآتي:
1- تمتين الوحدة الوطنية داخليا، فالحركة الإسلامية هي التنظيم الوحيد بعد انهيار الأحزاب اليسارية والقومية الذي يستوعب الأردنيين من أصول أردنية وفلسطينية. وأي مؤامرة تستهدف الأردن تعتمد بالدرجة الأولى على شرخ الوحدة الوطنية.
2- تشكل الحركة شبكة أمان اجتماعي بعض مظاهرها كانت جمعية المركز الإسلامي، فالجمعية تمكنت بجهود تطوعية من رعاية ثلاثة عشر ألف يتيم -الدولة تعيل ثلاثة آلاف فقط- وبنت مستشفيات ومراكز طبية ومدارس دون دعم من الدولة.
3- تنشر الحركة ثقافة إسلامية وسطية تشكل درعا في مواجهة التحلل الاجتماعي -أطفال الحاويات مثلا- والتطرف والعنف -الذي غدت محاربته مشروعا عالميا-. ومن مدرسة الحركة الإسلامية تخرج الآلاف من المتدينين المحترمين في أوساطهم حتى لو غادروا صفوف الحركة التنظيمية.
4- لا يمكن للإصلاح السياسي أن يتقدم خطوة واحدة من دون سند الحركة الإسلامية. فهي "الرأسمال السياسي" اللازم للمشاريع الإصلاحية. ولا تستطيع حتى الدول الشمولية عمل سياسة اعتمادا على الدولة وأجهزتها.
هذه بعض الفوائد التي لا تجنيها الحركة وحدها بل البلاد كلها. أما القول باستئصال الحركة فهو ضرب من الصبيانية السياسية ليس وقتها الآن. فما بعد أنابوليس فشلا أو نجاحا، وما بعد رفع الدعم عن المحروقات، ومع نسيان العراق وإيران ولبنان وسورية ..الخ. يبدو المشهد كافيا للتواضع قليلا وتجنيب الناس مزيدا من التوتر.