الإخوان والحكم في الأردن: هل الطلاق حتمي،ام ان الشيفرة الرسمية قابلة للفك؟
د. محمد أبو رمان
16-12-2007 02:00 AM
خلافاً للعديد من التوقعات والقراءات لم تكن الانتخابات النيابية الأخيرة عنواناً لوقف التصدع في علاقة الحكم بجماعة الإخوان المسلمين، بل خطوة جديدة على طريق التدهور العام في العلاقة.
حيث لم يستطع التيار الإخواني المعتدل - بكل ما أبداه من براغماتية وواقعية ومرونة في التعامل مع السياسات الحكومية، كما يقول أحد قادة هذا الخط- أن يفك شيفرة "الأزمة" وأن يعيد الاعتبار للمسار التاريخي التصالحي بين الطرفين، وبدا المشهد الإخواني بعد الانتخابات يميل بوضوح نحو الخط المتشدد، المقرّب تنظيمياً من حماس، والذي تتذرّع به المؤسسة الرسمية في تفسير موقفها "الصلب" من الإخوان.أين الخلل؟ ولماذا فشل المعتدلون في احتواء الازمة و اعادة المياه الى قنواتها الطبيعية؟هل المطلوب أن يكون الخط المتشدد في قيادة الحركة لإكمال استراتيجية "إعادة هيكلة حضور الجماعة السياسي والاجتماعي" ومنحها المبررات، كما يرى المعتدلون، أم أنّ الخط المتشدد هو "الوجه الحقيقي" للإخوان ولا يعدو التيار المعتدل أن يكون "واجهة"، كما تعرفه القراءة الرسمية؟
كنت في وقت سابق نشرت مقالين منفصلين في صحيفة "الغد" حول هذا الموضوع ،عرضت فيهما رؤية وتفسير كل طرف لاسباب تفاقم الازمة وخروجها عن السيطرة، وجاء ذلك بعد لقاءات جمعتني بقيادات طرفي المعادلة او النزاع ، المادة التالية بمثابة "حوارية" بين من يعبّر عن القراءة الرسمية ومن يعبّر عن الخط المعتدل في جماعة الإخوان، على اعتبار انه المتضرر الأول من نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.
-1-
صدمة الانتخابات؟
تكمن أولى المفاجآت بأنّ القراءة الرسمية الأردنية لم تكن تتوقع النتيجة التي حصل عليها الإخوان، وهي نتيجة شكّلت صدمة للمؤسسة الرسمية كذلك. إذ كانت أسوأ التقديرات أنّ الإخوان سيحظون بما بين عشرة إلى اثني عشر مقعداً.
وتفسّر القراءة الرسمية "الهزيمة الإخوانية" بتراجع شعبية الجماعة في العديد من المناطق، وبتأثير الأوضاع في غزة وأخطاء حماس على شريحة واسعة من المجتمع الأردني، وإلى "الصراع داخل جماعة الإخوان" الذي أدّى ببعض القيادات الإخوانية إلى لعب دور سلبي ومباشر في هزيمة الإخوان. وتؤكد القراءة الرسمية أنّ الدولة لم تتدخل في "التزوير ضد الإخوان"، وأنّ ما حصلوا عليه من أصوات هي الأصوات الحقيقية، وهي أرقام تثبت بصورة مباشرة وواضحة "تراجع شعبية الإخوان".
على الطرف الآخر؛ يرفض المعتدلون الإخوان قصة أنّ القراءة الرسمية صُدمت بنتائجهم في الانتخابات النيابية، ويرى هؤلاء - على النقيض من ذلك- أنّ النتيجة كان قد أُعدّ ورُتّب لها رسمياً، وهي مرتبطة بسياق إقليمي سياسي عام. حتى وإن، جدلاً، كان هنالك صراع داخل الإخوان، فإنّ تأثيره محدود، والمسألة ليست بعدد الأصوات التي حصل عليها مرشحو الإخوان - بصورة أساسية- بقدر ما هي مرتبطة بعدد "الأصوات الفلكية" التي حصل عليها منافسوهم، جراء نقل الأصوات وشرائها وعمليات أخرى تمت على عين الحكومة. ولو عملت الجماعة بكافة قواها وكفاءتها وجهودها، دون وجود مشكلات داخلية، فلن تستطيع مجاراة الأرقام "الفلكية" للآخرين أو الوصول إلى منافسة عادلة قانونية معهم.
-2-
حماس واختراق الإخوان
القراءة الرسمية لا تقع أسيرة الرهان على "الخط المعتدل" في الإخوان، بل تعتبر أنّ هذا الخط غير حاسم ولم يكن قادراً بما فيه الكفاية على وضع حدٍّ فاصل لتغول حماس الكبير وتأثيرها على شريحة واسعة داخل التنظيم. وكان الأجدى بقيادة الجماعة أن يكون لها موقف معلن واضح وحاسم لا يقبل التغطية والسكوت أو الحديث الخجول على استحياء عن "الاختراق الخارجي" للحركة الذي يهدد علاقتها بالدولة في الصميم.
فأحد المحكّات الرئيسة في علاقة الإخوان بالدولة يتمثل بحركة حماس. فهنالك اختراق كبير تقوم به حركة حماس في التنظيم الإخواني، وهنالك العديد من الأفراد من جماعة الإخوان منظمون في حركة حماس، وبعضهم تورّط في أنشطة ضد الأمن.
تأثير حماس لا يقف عند الجانب الأمني، كما ترى القراءة الرسمية، فعلى المستوى السياسي والتنظيمي والمالي هنالك دور ونشاط ملحوظ لحماس داخل الإخوان. وتذهب القراءة الرسمية إلى أنّ حماس – بالفعل- تعيد – بطريقة أخرى- محاولة إنتاج دور الفصائل الفلسطينية في نهاية الستينات، وهو ما لن تسمح به الدولة بأي حال من الأحوال.
أحد التطورات الجديدة يتمثّل ببدء حماس بالتحضير لقيام تنظيم "إخواني فلسطيني" عالمي، يضم فلسطينيي الشتات في العديد من الدول، والأراضي المحتلة، والأردن بلا شك سيكون إحدى أهم الساحات التي ستحاول حماس فرض نفوذها عليه، من خلال تنظيم اخوان (اردنيين من أصل فلسطيني) في حركة حماس، وفرض نفوذها وتأثيرها على جماعة الإخوان محلياً.
في المقابل؛ يرى المعتدلون أنّ موضوع اختراق حماس للتنظيم "مسألة يُنفخ فيها كثيراً"، وهنالك مبالغات رسمية غير صحيحة. وحتى لو كان التيار المتشدد، جدلاً، متنفذاً في الجماعة فإنّ السبب الرئيس في ذلك يعود إلى السياسة الرسمية التي أدّى تدخلها وسلسلة الأزمات التي صُنعت مع القيادة الإخوانية إلى تقوية المتشددين ومنح خطابهم السياسي والفكري مشروعية.
يعيد التيار المعتدل التأكيد على تعريف جماعة الإخوان بأنّها "حركة إصلاحية وطنية تعمل في ميادين العمل التطوعي والاجتماعي والمدني والسياسي"، وهذه القناعة تمثّل أجندة الوسط ووجتهه ورؤيته لقيادة الحركة. أمّا العلاقة مع حماس؛ فالوسط حريص على الاستقلال التنظيمي التام، وعدم تصدير الأزمة الداخلية الفلسطينية إلى الأردن والتأثير على الأمن الاجتماعي والسياسي؛ لذلك كانت قيادة الجماعة دقيقة في بيانها، بعد أحداث غزة، على التأكيد على الوحدة الوطنية الفلسطينية وضرورة التفاهم، ورفض الانحياز إلى حماس وتأييد ما قامت به، على الرغم من ضغط مجموعة داخل الإخوان بهذا الاتجاه.
مع ذلك؛ فإنّ الإخوان يؤيدون المشروع السياسي لحركة حماس، كما يرى المعتدلون، لأنّ جوهره المقاومة والتحرر الوطني وعدم الرضوخ لشروط الاحتلال. فثمة فارق كبير بين الجانب السياسي والفكري وبين البعد التنظيمي.
-3-
جدلية الاعتدال والتشدد داخل الإخوان
في السياق نفسه؛ ترى المؤسسة الرسمية أنّ الرسالة التي يقدّمها الإخوان، بالتلويح بعودة التيار المتشدد للسيطرة على قيادة الجماعة، بعد فشل المعتدلين بالانتخابات النيابية هي "رسالة مستفزة" للدولة بصورة شديدة. فالدولة لم تدخل، في أي وقت من الأوقات، بمقايضة دور الإخوان بالأمن والاستقرار، وما حظي به الإخوان في الأردن كان في سياق شروط تاريخية واضحة، ولأنّ الدولة سمحت به. ولا يملك أحد تهديد الاستقرار والأمن أو التلويح بذلك سواء كان متشدداً أو معتدلاً. أمّا استمرار بعض القيادات باستخدام اللغة السابقة فإنّه يبطن "سوء نية" من قبل الجماعة، وكأنّها ترى في نفسها ندّاً للحُكم، مع أنّ الجماعة هي في الأصل جمعية مسجّلة، وتعمل وفق تصريح وترخيص محدد، ويجب ألا تنسى هذه الحقيقة.
إلاّ أنّ المعتدلين الإخوان يحيلون إلى السنتين الأخيرتين، أي منذ حظي تيار الوسط المعتدل بالأكثرية في قيادة الجماعة وحزب جبهة العمل الإسلامي، فقد تمكّن المعتدلون - خلال هذه الفترة- من ضبط الكثير من الأمور داخل الجماعة وتحجيم التيار المتشدد وتعزيز الاهتمام بالشأن الوطني الداخلي والتأكيد على هوية الجماعة ووجهتها السياسية والفكرية والتزامها التام بخطها المعروف داخل البلاد.
وعندما حدثت أزمة النواب الأربعة مع الحكومة (على خلفية زيارتهم بيت عزاء الزرقاوي زعيم القاعدة في العراق)، كان المكتب التنفيذي للجماعة قد سارع إلى استدعاء النائب محمد أبو فارس لتقديمه إلى محاكمة داخلية قبل أن تسبق الحكومة إليه وتحوّله إلى المحكمة. وقدّمت قيادة الجماعة ورقة مبادئ واضحة تتضمن التزامها بالولاء للدولة والملك والنظام والتزامها الوسطية والاعتدال لأول مرة في تاريخ الجماعة، وذلك للتأكيد للرأي العام ولجماهير الجماعة على خط الجماعة ومنهجها ودورها لمواجهة حملة التشويه والتضليل الإعلامي.
تيار الوسط المعتدل العقلاني، ليس ضعيفاً، وأثبت فعاليته خلال السنوات الأخيرة، وتمكّن من وضع حدّ لكل المشكلات المطروحة، كما يرى المعتدلون. وفي الانتخابات الأخيرة، ولأول مرة في تاريخ الجماعة، استطاع الوسط أن يقدّم قائمة من المرشحين استبعدت منها الأسماء التي لا تمثل خط الجماعة وخطابها السياسي والفكري وكانت قائمة أقل من القوائم التي نزلت بها الجماعة إلى الانتخابات النيابية السابقة، وكل ذلك كان بهدف التأكيد على وجهة الجماعة وحدود طموحها السياسي.
فالمسألة ليست تلويحاً بعودة التيار المتشدد أو تهديداً للاستقرار، يرد المعتدلون على القراءة الرسمية، إنّما هي حديثٌ عن صيرورة منطقية متعلقة بالأسباب والنتائج؛ فالضغط المستمر والحصار الذي يتعرّض له الخطاب المعتدل العقلاني في الجماعة سيعزز من الخطاب الآخر المتشدد، وضرب البنية العلنية المؤسسية للجماعة سيدفع ببعض الأنصار والمتحمسين إلى العمل خارج السياق القانوني العلني، كما يحصل في التجارب العربية الأخرى. أمّا بالنسبة للجماعة فهي، مهما حصل، لن تحيد عن خطها المعتدل الإصلاحي المتدرّج.
-4-
حول الطموح السياسي للحركة
السؤال الآخر الحيوي يتعلّق بالطموح السياسي للإخوان؛ فالقراءة الرسمية ترى أنّ الجماعة مرّت بتحولات بنيوية وأنّ مواقفها ورؤيتها السياسية لحدود دورها في المجتمع الأردني قد تغيّرت، ويكفي أنّ الجماعة في خططها الاستراتيجية كانت تسعى إلى الحصول على نسبة تقارب ثلث مقاعد مجلس النواب، و65% من النقابات المهنية، وتقريباً أغلب البلديات الكبيرة (عمان، اربد، الزرقاء، مادبا، الكرك..)، وهي مرحلة تمهد لدور سياسي متعاظم يعيد تشكيل النظام السياسي نفسه، على النقيض من الدور السياسي التقليدي الذي كانت تقوم به الجماعة خلال العقود السابقة. وقد فضحت تصريحات بعض قادة الإخوان عن الطموح السياسي الجديد، فالأمر لم يعد سرّاً.
يرى المعتدلون أنّ الطموح السياسي للجماعة في الأردن لم يتغيّر ولن يتغيّر، فالجماعة تدرك تماماً طبيعة الظروف السياسية الداخلية والإقليمية والدولية، وهي لذلك لا تغامر بمستقبل البلاد واستقرارها وأمنها ولا بتوريط "الإسلام السياسي" الأردني في معضلات وأزمات أكبر من الوطن وإسلامييه. والإخوان يقرأون جيداً الدروس المستفادة من التجربة السودانية (حسن الترابي سابقاً) وتجربة حماس في غزة، وهم حريصون على دورهم الحالي ويعتبرون أنه الأفضل والأنسب، ولن تتغيّر هذه القناعة استراتيجياً لأنها مرتبطة - في الاصل- بالطبيعة الجيوبولوتيكية للأردن.
-5-
استقالة ذنيبات
ترى المؤسسة الرسمية أنّ استقالة عبد المجيد ذنيبات من عضوية مجلس الأعيان هي رسالة سلبية للغاية وستدفع بالأزمة إلى حدود سيئة، وستُكرِّس قناعة لدى الدولة أنّه لا يوجد معتدلون ومتطرفون داخل الجماعة، فالكل في المحصلة يقف في الخندق نفسه. فاختيار الذنيبات لعضوية الأعيان كان تكريما لشخصه ولجماعته من أعلى المستويات، واستقالته هي – بمعنى آخر- رفض للتكريم وثقب كبير وحساس في العلاقة بين الطرفين.
أمّا المعتدلون فيرون أنّ ذنيبات هو أحد رموز هذا التيار، وقد تعرّض لهجوم إعلامي وسياسي شرس من قبل البعض، وقبوله بعضوية الأعيان سيؤثر سلباً على التيار المعتدل، فالمسألة مرتبطة بشخص ذنيبات ورمزيته ودوره لا بالموقف من مجلس الأعيان نفسه. فالتيار المعتدل يقدّر التكريم الكبير لذنيبات وللجماعة، لكنه يرى أنّ المصلحة تقتضي حماية ذنيبات وبقاءه في قيادة التيار المعتدل، لاستمرار هذا التيار على الرغم من الضربات التي تعرّض لها في الآونة الأخيرة.
الفجوة موجودة.. التجسير ممكن
ثمة فجوة واضحة بين القراءة الرسمية ورؤية خط "الاعتدال الإخواني" لمجريات الأزمة وتطورها ومسارها، لكنها ليست فجوة مستعصية على الردم، وهنالك محاور كثيرة يمكن الالتقاء عليها بلا شك، لكنها تتطلب حواراً حقيقياً وصريحاً هادئاً بعيداً عن عقلية تسجيل النقاط أو الاستئصال والخصومة، فالمطلوب أن يتغلب صوت العقل المصالحي على إغواء المقاربة الأمنية أو الاقصائية من قبل الدولة والمقاربة المتشددة والتكفيرية أو الاتهامية من قبل نخب في الجماعة.
كاتب أردني