«الموتى وحدهم لا يكذبون» !
رنا شاور
03-04-2013 04:23 AM
أعلن تضامني مع نيسان، أجمل شهور العام .. ألوان تضجّ بكل مكان،أزهار ونواوير أشجار، لوز أخضر وعطر أحواض النعنع والزعتر. نيسان الذي ألصقنا به صفة الكذب يحيلني للتفكير بأبعد مايتّهم به ، هل لأنه الشهرالأزين نعمد إلى تشويه سمعته ، هل لأنه الأبهىنغتابه حالما ينسج خيوط دفئه؟! أو لأنه الفتي الشهيّ نرميه بالكذب ونسقط عليه قوانين الانسان؟. هل هي «الغيرة تتوالد من نفسها» كما قال شكسبير، وإن (عطيل) كان يغار فقط لأنه يغار!.
أعلن تضامني مع نيسان وهو يثور على كذابيه، وبينما أقلب عددا ورقيا قديما لمجلة نيوزويك أقع على تحقيق مطول عن الكذب، فجينات الكذب متقدة أكثر لدى الرجل، لكن المرأة هي الأكفأ على تسيير جملة متتابعة من الأكاذيب لقدرتها على الإتيان بتفاصيل وحبكها بشكل سينمائي لو تطلب الموقف، عكس الرجل الذي، لسوء حظه، يفتقد تلك المهارة والقدرة على التفكير بعدة تفاصيل جملة واحدة.
ثم أجد نفسي أسقط علم الفراسة على الكذابين ، فالدارسون للغة الجسد يدركون تفاصيل تغيب عن ذهن الكاذبين، فلا يدرك هؤلاء أنهم يعلنون عن كذبهم حين يحكون رقبتهم خلال حديثهم ويكثرون من النحنحة والتلفت يمينا ويسارا . هذا بالنسبة للكاذب غير المحترف أما الكذّاب الماهر فيستطيع السيطرة على حركات يديه وجسمه، إلا أن عضلات رقبته لا بد أن تتشنّج نتيجة الجهد الذي يبذله ليخفي حرجه، ولو أنك أردت إرباكه اسأله عن مزيد من التفاصيل، إذ لا شيء يرفع من هرمون الأدرينالين عند الكذابين سوى طلب مزيد من التوضيحات.
وان كنا تساهلنا مع كذبنا اليومي وألبسناه وشاحاً أبيض نتيجة اصطدامنا بكثير من أمور الحياة المثقلات، إلا أن الكذب أخذ منحى أكثر من مفهوم الإحتجاج والتخفف، وتغلغل داخل أسلوبنا التخاطبي اليومي ، وصار من السهل حسابياً على البعض تعداد مرات الصدق بدل تعداد مرات الكذب..بدءا من الكذب لدرء الحرج إلى الكذب الإنتقامي والفكاهيّ والإنتفاعي حتى المـَرَضيّ منه.لكن يبقى الكذب على النفس الأكثر شيوعا بحسب «نيتشه» الذي يرى أن الكذب بحد ذاته ابداع يصيب الكاذب بالدهشة حتى يحدث فجأة أن يصدق الكاذب المبدع نفسه.
يقول أحد الكتاب في مقالة له نشرت على «العربية نت»: « أعرف أن فلاناً كذّاب، لكنّي أطرب له عندما يقول عني كلاماً جميلاً ويمتدح مقالاتي مع أني على يقين أنه لم يقرأ شيئاً منها».
نيسان: مدّ لنا أصابع الاتهام، «فالموتى وحدهم لا يكذبون».
الرأي