نوايا تحسين الثقة بالاقتصاد والدولة
حسن الشوبكي
02-04-2013 04:57 AM
بعد يوم على تشكيلها، بدأت الحكومة عملها بقرار سعى إلى كسب ود الشارع، عبر خفض أسعار المشتقات النفطية بنسب تتراوح بين 4.1 % و6.3 %. وترافق مع ذلك قرار آخر بوقف كافة الأعطيات والتبرعات النقدية والعينية المقدمة من الحكومة ودوائرها وأجهزتها إلى أي جهة كانت، إلا بموافقة رئيس الوزراء. ويضاف إلى ما سبق تجديد الحكومة لتصريحات ذات صلة بنظافة اليد والنزاهة، باعتبارهما ملمحين للأداء الحكومي في الفترة المقبلة.
وفي مقابل الغلاء الذي أتى على جيوب الأردنيين وقدراتهم الشرائية خلال العقد الماضي، فإن استعادة دور وزارة التموين -ولو بشكل نسبي محدود- والترتيبات التي تؤسس لها الحكومة لحماية المستهلك، ستسهم بشكل مباشر في ضبط فلتان الأسعار الذي لا يعبر عن سوق مفتوحة، وعلاقات عرض وطلب لا تتدخل فيها الحكومة، وإنما عن احتكارية وتحكم في التسعير، يحققان أرباحا للاعبين أساسيين في السوق.
ليس من المنطق التشكيك مسبقا في النوايا الحسنة. ومن الواضح أن لدى الحكومة توجهات اقتصادية تسعى إلى ردم الهوة التي اتسعت في السنوات الأخيرة بين الأردنيين ومؤسسات الدولة. ولا يمكن المرور سريعا أمام هكذا توجهات، بدون التركيز على محددات اقتصادية بعينها، حتى تتسنى إعادة الثقة، ولو جزئيا، لهذه العلاقة الملتبسة قبل احتجاجات الأردنيين في العامين الماضيين.
الصدق هو أساس النجاح؛ فإذا كان لهذه الجهود قواعد راسخة وصدقية في التخطيط والأداء، فإنها ستنجح. أما إن كانت لغايات دعائية وإعلامية، كسبا لرضى الشارع اليوم واستفزازه غدا، فإن الفشل سيكون حليفها. ومن الصعب التذاكي على الشارع الأردني بشكله ومضمونه الحاليين؛ فالاحتجاجات قالت الكثير عن البون الشاسع بين الحكومات والشعب، وأن عمل الحكومات ضيق الخناق مرارا على معيشة الأردنيين الذين كانوا في مهب أوضاع اقتصادية ومعيشية أقل ما يمكن أن يقال عنها هو أنها قاسية خلال العقد المنصرم، وأن هدف المستهلك الأخير هو الخلاص من عنق الزجاجة.
وبخصوص الملف الأكثر تعقيدا، وهو ملف الفساد، فإن التسريبات الحكومية تشير إلى وجود نية للتعامل مع الفاسدين في الفترة المقبلة بشكل يتجاوز نمطية طريقة التعامل معهم خلال الفترة الماضية. وإن صدقت هذه التسريبات، فإن مطالب ملاحقة الفاسدين والقصاص منهم ستكون سببا في تحسين أجواء الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة، وعلى رأسها الاقتصادية. ويستدعي تجاوز النمطية السابقة التضييق على "حيتان" كثر، يصولون ويجولون بيننا ولا يجدون من يحاسبهم. وبموازاة أهمية تقديم أسماء متنفذين فاسدين إلى القضاء، فإن إعادة الأموال المنهوبة هدف لا يقل أهمية عن سابقه؛ فأي مليون سيعاد إلى الخزينة من حسابات هؤلاء، سيسهم حتما في تحسين أحوال فقراء ما كانوا ليكونوا بهكذا أوضاع لولا استشراء الفساد.
كل إجراءات تحسين الثقة، ورسم مشهد اقتصادي مختلف، وغيرها، قد تذهب أدراج الرياح في حال أقدمت الحكومة على قرار رفع أسعار الكهرباء. ولعل من أكثر المحددات التي سترسم علاقة الحكومة بالشارع في الأشهر المقبلة، هو هذا القرار، وما له من تبعات قاسية على سلة مفتوحة من السلع والخدمات، وبما يؤسس لغلاء جديد لا طاقة للأردنيين به.
الحكومة الحالية تتحرك وسط حقول ألغام عديدة. ورغم مساعيها الاقتصادية المعلنة لتحسين الواقع المعيشي، فإن ثمة ترقبا بقلق بالغ. فالحراك ما يزال في الشارع، وعلاقة الحكومة بمجلس النواب ليست في أحسن أحوالها، وخطوة مثل رفع أسعار الكهرباء ستكون بمثابة قفزة في المجهول.
hassan.shobaki@alghad.jo
الغد