سيناريو المناطق العازلة ..
سامي كساب سماوي
01-04-2013 07:08 PM
لفت إنتباهي مؤخراً وجود توجه لدى بعض النواب نحو إطلاق دعوة لإنشاء منطقة عازلة قرب الحدود الأردنية الشمالية، بهدف توفير الحماية للمدنيين، كان آخرها البيان الذي أصدره مجلس النواب والذي تضمن توصيات تتعلق بموضوع اللاجئين السوريين والأزمة الراهنة، لكن ما يستدعي الحاجة الى مزيد من التمحيص والدقة هو مسألة المناطق العازلة، إذ لم أكن أتوقع خروج توصيه بهذه الطريقة المتسرعة دون النظر الى أبعادها على الصعد كافة: السياسية، والقانونية، والأمنية، وغيرها، حيث أن مطلباً كهذا قد يتناقض مع موقف الأردن تجاه الأزمة، فضلاً عن تبعيات المناطق العازلة وانعكاساتها على المستقبل الأمني للأردن في ضوء إستمرار أزمة العنف والاقتتال داخل الأراضي السورية. وهذه الدعوة تستدعي الوقوف عند العديد من النقاط المهمة، أبرزها:
أولاً: أن الاردن يدعو الى تحرك سلمي وحل سياسي للأزمة السورية مشاركة الأطراف كافة ، وهذا ما جاء في التوصيات النيابية، لكن الدعوة الى إقامة مناطق عازلة يتناقض مع ذلك تماماً، فهذه الإقامة تستدعي، تلقائياً، التدخل العسكري "تحت بند "التدخل الإنساني" أو "مسؤولية الحماية" دون الحاجة الى موافقة أو تفويض أممي من مجلس الأمن، كما حدث في كوسفو عام 1999.
ثانياً: أن المناطق العازلة تدار من الأمم المتحدة في حال كان التفويض من خلال مجلس الأمن، أما إذا كان من خلال الناتو أو أي طرف آخر "وهو الخيار المرجح" فهذا يعني أن غياب الرقابة الدولية قد يخلق من هذه المناطق خطراً أمنياً حقيقياً يمتد الى الدول المجاورة، وبالتأكيد الأردن غير مستثنى من ذلك، فحدوده الشمالية مع سورية تمتد الى ما يقارب الـ 360كم، حيث يحوّل غياب الأمم المتحدة عن إدارة هذه المناطق الى تجمعات لمليشيات مسلحة، وتنظيمات ذات إرتباط إقليمي، مثل المناطق العازلة التي تم إنشاؤها في جورجيا العام 1998حيث أصبح المدنيون ضحية جديدة لحرب ميليشات وعصابات.
ثالثا:ً أن وجود مناطق عازلة، من الناحية الأمنية الصرفة، يشكل عائقاً بالنسبة للأردن في مراقبة حدوده ومراقبة اللاجئين الذين يدخلون إليه، إذ يزداد الحديث عن إحتمالية وجود خلايا نائمة، وتنظيمات ذات ارتباطات وأجندات مختلفة ، وقد تخرج الأمورعن السيطرة في حال وجود مناطق عازلة تشكل ملجأ سهلاً لإعادة التنظيم أو بالأحرى التسلح.
رابعاً: أن المطالبة بمناطق عازلة هو تلقائياً إعلان حالة حرب، فحماية هذه المناطق يتطلب مهاجمة قواعد الصواريخ بعيدة المدى التي يمتلكها النظام، ما يعني أن تكون هذه المناطق العازلة عرضة للهجوم، لا بل قد يخلق هذا الوضع ردة فعل لدى النظام السوري تمتد تبعاته للدول المجاورة، ولسنا في الأردن بمعزل عن هذه الحالة.
مما سبق، لا بد قبل تقديم أي مقترحات وتوصيات أن يتم،على الأقل، دراسة حيثيات أي مقترح، وبخاصة عندما يتعلق الموضوع بقضايا حساسة ترتبط بموقف أردني إقليمي ودولي، فاستقرار أي بلد مرتبط بشكل أساس بنهجه الخارجي، ومعيار المصلحة الوطنية يجب أن يكون الأساس في تحديد السياسات والأولويات، وهذا ما نأمله ونتطلع إليه برجاء من أصحاب السلطة التشريعية وأصحاب الإختصاص.