فشل "التربية الوطنية" في الجامعات
د. باسم الطويسي
30-03-2013 06:08 AM
قبل سنوات عديدة، وفي أجواء مناقشة عامة واسعة، اتجه مجلس التعليم العالي إلى إلزام الجامعات بطرح مادة دراسية إجبارية، باعتبارها متطلبا من كل طلبة الجامعات، وهي مادة "التربية الوطنية"، تحت مبرر سد فجوة تواضع مفاهيم الثقافة الوطنية في وعي الشباب. ويعلم أكاديميون كم دار حول فلسفة هذه المادة الجامعية من اجتماعات ومناقشات، للوصول إلى وصف ومضامين علمية وثقافية ومعرفية نافعة، وتؤدي الأغراض من هذه المادة الجامعية.
بعد مرور نحو عشر سنوات، يمكن أن يكون هذا زمنا كافيا لقياس الأثر، وتقييم هذه الخبرة، وسط ما تشهده الجامعات من تحولات عاصفة، وعنف، و"شياطين"، ومخدرات. ويمكن مراجعة المحصلة على ثلاثة محاور أساسية: الأول، استمرار منحدر التراجع في سلوك الطلبة في الحياة الجامعية اليومية، وفق جملة من المؤشرات التي تؤكد استمرار ظاهرة العنف الجامعي في التفاقم والتطور، وتصاعد السلوك الاستهلاكي والفراغ في الحياة اليومية، وضعف العناصر الفاعلة في البيئة الجامعية، والتي يشكل الطلبة جانبا منها، وازدياد معدلات انتشار المخدرات والاتجار بها.
وهذه جميعها مؤشرات ذات عمق ثقافي، وتدل على طبيعة التشوهات التي يعيشها الشباب، والى أين ستقود؛ بمعنى أننا لم نخلق تراكما ثقافيا إيجابيا يعيد تعريف المصالح وتحقيق الذات وسط مجتمعات الشباب.المحور الثاني، ازدياد الفجوة المخجلة، خلال العقد الماضي، في محصلة الشباب من المفاهيم والمدركات الوطنية المرتبطة بالقيم والتاريخ والجغرافيا والهوية بمفهومها الثقافي، وليس في السلوك المتطرف والمشوه تحت مسمى الهوية، والذي يمارس في الجامعات. قبل أسابيع، أصدرت إحدى الجامعات، من خلال طلبتها وبرعاية الجامعة، ميثاقا لنبذ العنف.
والملفت أن الميثاق الذي وقع من قبل طلبة الجامعة كافة يستند إلى القيم الدينية والانتماء الديني، ويركز على الأبعاد الاجتماعية، فيما لا يأتي من قريب ولا من بعيد على ذكر الانتماء الوطني. وهو ما ذهبت إليه دراسة نشرت مؤخرا، بأن مفهومَي الدولة والوطن مشوهان لدى طلبة الجامعات، ويغلب عليهما الانتماء الديني والجهوي والعشائري.
المحور الثالث، يفترض أن التربية على القيم الوطنية سوف تُغني المشاركة الطلابية. لكن ما حدث أن تردي الحياة الطلابية زاد من الخوف لدى صانع القرار من تنمية المشاركة الطلابية، وأنتجت هذه النسخ الهشة من مؤسسات التمثيل الطلابي.
ولعل الانتخابات الأخيرة لاتحادات ومجالس الطلبة في الجامعات، توضح كيف أفرغت من مضمونها، وتحولت إلى هياكل فارغة، فيما تتراجع نسب المشاركة الانتخابية؛ فلا جدوى. وفي المقابل، تزداد الثقافة الاحتفالية المفرغة من المضمون، والتي تساهم اليوم بشكل مباشر في أزمة الثقافة السياسية في أوساط الطلبة والشباب بشكل عام، وأهم مظاهرها على الإطلاق ضعف الوعي بمفهوم الدولة، والقيم الكبرى الناظمة لمسائل الانتماء والهوية والثقافة المدنية والمشاركة والمواطنة، والاستعداد للتغيير، وبالتالي تحسين نوعية الحياة.مواد "التربية الوطنية" في الجامعات أصبحت حمولة زائدة؛ فلا مضمون معرفيا وثقافيا يعكس الحد الأدنى من الأهداف الحقيقية لهذا المسار الثقافي والأكاديمي، وثمة فوضى عارمة تحشر مئات الطلبة في قاعات صفية، وتبيح إدارات جامعات لكل عابر سبيل أن يصبح مدرسا للتربية الوطنية ويقول ما يشاء. لقد حان الوقت لمراجعة هذه التجربة، وربما وقفها.
basim.tweissi@alghad.jo
الغد