يحكى أن شاباً تقياً فقيراً، اشتد به الجوع، مر على بستان تفاح، وأكل تفاحة حتى ذهب جوعه، ولما عاد إلى بيته، بدأت نفسه تلومه، فذهب يبحث عن صاحب البستان، وقال له: بالأمس بلغ بي الجوع مبلغاً عظيماً وأكلت تفاحة من بستانك دون علمك وهذا أنا اليوم أستأذنك فيها. فقال له صاحب البستان: والله لا أسامحك بل أنا خصمك يوم القيامة عند الله.

توسل له ان يسامحه إلا أنه ازداد إصراراً وذهب وتركه، ولحقه حتى دخل بيته،وبقي الشاب عند البيت ينتظر خروجه، خرج صاحب البستان من البيت ووجد الشاب لا زال واقفاً. قال له الشاب: يا عم إنني مستعد للعمل فلاحاً عندك دون اجر إذا سامحتني.

قال له صاحب البستان: أسامحك بشرط أن تتزوج ابنتي، ولكنها عمياء وصماء وبكماء، وأيضاً مقعدة لا تمشي، فإن وافقت سامحتك. قال الشاب: قبلت ابنتك. قال له الرجل: بعد أيام سيكون زواجك من ابنتي، فلما جاء الشاب، كان متثاقل الخطى، حزين الفؤاد.

طرق الباب ودخل، قال له تفضل بالدخول على زوجتك، فإذا بها فتاة أجمل من القمر قامت ومشت إليه وسلمت عليه، ففهمت ما يدور في باله.

وقالت: إنني عمياء من النظر إلى الحرام، وبكماء من قول الحرام، وصماء من الاستماع إلى الحرام ومقعدة لا تخطو رجلاي خطوة إلى الحرام.

وإنني أبحث عن زوج صالح، فلما أتيته تستأذنه في تفاحة وتبكي من أجلها، قال أبي إن من يخاف من أكل تفاحة لا تحل له، حري به أن يخاف الله في ابنتي، فهنيئاً لي بك زوجاً وهنيئا لأبي بنسبك.

وبعد عام انجبت هذه الفتاة غلاماً وكان من القلائل الذين مروا على هذه الأمة فهو الإمام أبو حنيفة...

ذلك مثال بسيط لشخص يخشى الله من عمل خطأ بسيط بأكل تفاحة دون شعور منه أنه يستحقها فهل لا يزال يوجد في هذا الكون أشخاص يشبهونه، فلو اطلعنا إلى الأنظمة الاستبدادية بين الحاكم والدولة، الذي يحول الدولة إلى ملكية للحاكم تتماشى مع مصالحه، ومع مرور الوقت وممارسة الحكم والسلطة يعتبرها هذا الحاكم بكل مؤسساتها ومكوناتها، ملكية خاصة، ثم تمتد ملكيته هذه لتشمل الشعب كله، ولا يعود يرى أي احتمال لوجود دولة منفصلة عنه، أو شعب لا يرى رأيه، بل يرى الشعب مجرد رعيته فقط.

وفي ضوء ذلك فإن أفكاره تصبح حسب رأيه ذات صحة مطلقة، لا يتدناها الشك، فهو الأكثر فهماً وثقافة ومعرفة ومنطقاً ومحاكمة في البلاد كلها، ومن يعارض أفكاره او ينتقدها، إنما يعارض الدولة والوطن والشعب، فالمستبد يصر على أن الدولة هي دولته هو وليست دولة الشعب ولا تصلح دونه ولا معنى لها أصلاً. بالتالي فله الحق بأن يوجهها حيثما يريد، وأن يستولي على ثرواتها وأن يمنع ويمنح كما يشاء، ولا يحق لأحد أن يعارض أعماله او سلوكه أو خططه أو استراتيجيته وهي مطلقة الصحة دائماً، ومن يفعل فهو عدو للدولة برمتها، وخائن لقيمها، قبل أن يكون معارضاً للحاكم، وعليه لا يتصور الحاكم المستبد وجود معارضين له ولسياسته دون أن يكونوا أعداء للدولة وخونة ومتعاملين مع الخارج يعطي لنفسه الحق بإصدار القوانين والتشريعات، وإعلان الحرب والسلم دون استشارة الشعب أو سؤاله عن رأيه.

لقد اتهم هتلر من انتقدوا سياسته العنصرية والعدوانية، التي أدت بالنهاية إلى اشتعال الحرب العالمية الثانية وتدمير أوروبا بما فيها ألمانيا نفسها، وإلى مقتل خمسين مليون نسمة، اتهمهم بالخيانة العظمى والعمالة للأجنبي، ومثله فعل موسوليني في إيطاليا، وسجن ستالين وأعدم مئات الألوف ممن عارضوا سياسته باعتبارهم عملاء للخارج ومنهم شيوعيون مناضلون وفي العقد الأخير انتشرت هذه الظاهرة في دول إقليمية وعربية، مثل إيران والعراق وسوريا ومصر والسودان باتهام المعارضين بالعمالة. ولم يدرسوا ظاهرة أسباب المعارضة أو دراسة طلباتهم وإيجاد حلول لها ولا يعتقدون أن سياستهم ليست صحيحة ويمكن نقدها.

كل طرف يتهم الآخر بالارتباط بالسياسات الأمريكية وأنهم عدو للديمقراطية ولا يعرف كل طرف أن السياسات الأمريكية في الخارج لا يهمها إلا مصالحها ولا صداقات لديها وإنما تطبق الديمقراطية في الداخل فقط وتكيل بمكيالين ويضحون بأصدقائهم وعملائهم بعد استنفاد الغرض منهم والشواهد كثيرة مثل ماركوس نورييغا وسوهارتو، وشاه إيران وغيرهم، كما دعموا اسرائيل الدولة العنصرية دعماً كاملاً بأنها أقوى دولة في المنطقة مدعومة بأقوى دولة في العالم واعتبروها دولة ديمقراطية وطالبوا بأن تكون دولة يهودية كاملة أي أن 1.5 مليون عربي المتواجدون في الأراضي المحتلة قبل عام 48 ليس لهم الحق بأن يبقوا داخل دولة اسرائيل فهذه ديمقراطيتهم وكيف تعتبر أمريكا أقوى دولة في العالم وعليها 16 تريلون دولار من الديون وعدة ملايين من العاطلين عن العمل، ناهيك عن انتشار المخدرات وإشاعة الفساد بين العديد من شبابهم.

لدينا مبادؤنا ومقوماتنا وإمكانياتنا، فإن توحدنا واعتمادنا على ذاتنا لإنشاء دول قوية متحدة مترابطة لا نحتاج أحداً.

لم نحصل على ما نريد، لم نكن نريد ما حصلنا عليه، لم نحصل على كل ما نريد، لم نحب ما حصلنا عليه، ولكننا لا نزال نعيش ونحب وهذه هي الحياة.

dr.sami.alrashid@gmail.com