تسعى أبرز الفضائيات العربية إلى استقطاب الكفاءات الأردنية، من مذيعات ومذيعين للانضمام إلى كوادرها، لما تميز به أداؤهم من مستوى حرفي رفيع، ولما حققه معظمهم من تألق وحضور مؤثر بين نجوم الإعلام العرب، جعلهم يحتلون موقعا متقدما في قائمة التنافس العربي الإعلامي المتواصل، والتحدي الشرس الذي لا يرحم ولا يعترف إلا بالأفضل، ضمن معايير مهنية فنية بالغة الصعوبة.ومن المعروف أن أقطاب القائمين على هذه الصناعة، يفضلون الخبرات الأردنية في هذا الحقل، ويرون إن اللهجة الأردنية هي الأقرب إلى روح الفصحى، إضافة إلى التميز بالنطق السليم، ووضوح مخارج الحروف، واقترابها من النبرة المحايدة الخالية من الإضافات المغرقة في المحلية، مما يجعلها يسيرة الفهم والاستيعاب في جميع البدان العربية على اختلاف لهجاتها.
على صعيد محلي تبدو الصورة مغايرة تماما، سيما في المحطات الإذاعية الخاصة التي انتشرت في أثير المملكة على نطاق واسع في السنوات الأخيرة. إذ يخيل للمستمع أحيانا، إن بعض هذه المحطات يبث من ضيعة لبنانية نائية، وذلك بسبب إصرار إدارات هذه المحطات على استخدام أسماء لبنانية مغمورة، من دون مهارات إعلامية لافتة، تبرر حاجة السوق الإعلامية المحلية لخبراتها شبه المعدومة، إذا ما استثنينا مهارتها الفائقة في إتقان اللهجة اللبنانية، بما يذكر ولكن بشكل مرير بالنكتة القديمة حول تعجب القروي في زيارته إلى بريطانيا من قدرة حتى الأطفال على تكلم الانجليزية بطلاقة!! والمؤسف إن هؤلاء الاشقاء أصبحوا نجوما محليين من خلال الإطلالة على المستمعين في برامج حوارية تبث مباشرة على الهواء، رغم إخفاقهم الذريع في لفظ حروف اساسية في اللغة مثل حرف القاف الذي يتحول بقدرة قادر إلى حرف الكاف، ويحدث كثيرا ان تجد المذيعة اللبنانية صاحبة الصوت الناعم المغناج صعوبة قصوى في التلفظ باسم العائلة للمتصل الأردني، حيث يمكن رصد الكثير من الطرائف، لأسماء عائلات وعشائر لفظت بطريقة تغير المعنى ليشكل إساءة لفظية فادحة، ولشديد الأسف لن يكون بالإمكان سرد أمثلة في هذا السياق قد تمس بدورها شعور وكرامة البعض، والمستهجن أن يحاول أهل البلد تقليد لهجة الضيوف، إذ إن الأصل أن يحاول الضيف الاقتراب من ثقافة المجموع وحتى الانصهار بها إن أمكن، وهذه ظاهرة ملموسة جدا في أوساط فئة الشباب الذين يحاولون إقحام اللهجة اللبنانية إلى مفرداتهم، بما يعزز حالة الاغتراب عن ملامح بيئتنا المحلية، وهي من مفردات خصوصية هويتنا التي ينبغي أن نتصالح معها ابتداء.
ليس لهذا الطرح أي علاقة بأمراض إقليمية، فلا احد ضد لبنان من حيث المبدأ، والصباح الذي لا يبدأ بصوت فيروز لا يعول عليه! ولبيروت وأوجاعها من قلوبنا الحب خالصا، وللأشقاء اللبنانيين ولكل مفردات ثقافتهم كل التقدير، لكن ذلك لن يتعارض مع غيرتنا وخوفنا على هويتنا المحلية من الذوبان لصالح اعتبارات تجارية إعلانية محضة.
ومن أجل إعلام حر طليق متخفف من قيود البيروقراطية، وحمال لرسائل أخلاقية وثقافية، وموجه إلى فئات مستهدفة، فالمفترض إذن مخاطبة وجدان هذه الفئات وصياغة آرائها وتوجهاتها في قضايا تهم سائر المواطنين على اختلاف توجهاتهم بالطريقة واللغة واللهجة الأكثر تأثيرا عليهم وعبر أفضل صور التفاعل من قبلهم.
ومما لا شك فيه إن هذه الإذاعات شكلت ظاهرة وحضورا في الشارع الأردني والعربي أيضا، وأصبح كثير من أصحاب البرامج الإذاعية فيها نجوما مؤثرين، وهو تحول مهم ولافت ينبغي البناء عليه من حيث توفير مناخ صحي أمام تلك الإذاعات للتنافس فيما بينها على تقديم الأفضل، لأنها تصب بالنتيجة في صالح المواطن المستهلك لهذه البضائع الفاسد منها والسريع العطب كما هو الحال مع الجيد منها والأكثر جودة. ومن الضروري في سياق متواصل اعتماد مجموعة معايير من شأنها التمييز بين إعلام حر، يحمل أفكارا نبيلة وحرة وخلاقة ومختلفة، وبين إعلام مبتذل وسطحي يشتغل على منطقة القشور حصريا ولا يملك القدرة على الوصول إلى عمق الأشياء، في معزل عن حسابات الربح والخسارة التي لا تصب بالضرورة في مصلحة الوطن والمواطن.
egals@yahoo