مجلس النواب خارج اللعبة مؤقتاً؛ سيتعرّف على الحكومة، كما هي حال الناس، من الإعلام فقط. ومع إعلان الفريق الحكومي وطلب الثقة منه، سيكون المجلس على المحك، وخاضعاً لامتحان ثقيل آخر، بخاصة إذا جاءت تشكيلة الحكومة من "العلبة" التقليدية؛ غير مقنعة ولا مرضية لمزاج الشارع، وغير قادرة على إحداث اختراق في المعادلة السياسية!
نتمنّى أن نكون مخطئين. لكن في ظل التكتّم على الأسماء (وكأنّنا أمام أحجية، لا إزاء تشكيل حكومة من المفترض أن تكون أسماء المرشّحين لدخولها موضع نقاش وتداول واسعين في الأوساط الإعلامية، وأمام الرأي العام!)؛ فإنّ الحكومة ستتكون من عدد لا بأس به من الفريق الحالي (على الأقل 5 حقائب)، وسيكون نائب الرئيس اقتصادياً ممن سبقت له المشاركة في الحكومات ومواقع القرار، مع تحسين حضور "المرأة" في التشكيلة (ممن ليست لديهن مرجعية سياسية معروفة).
إذا لم يتحقق الاختراق المطلوب، وهذا هو السيناريو الأرجح، فإنّ النتيجة ستغدو أنّ مجلس النواب نفسه سيكون -وهو يقف على أعتاب منح الثقة للحكومة- تحت رحمة كابوسٍ مزعج (يكاد يكون مزمناً)، كما حدث مع المجالس السابقة، عندما طاردتها لعنة الشارع وقضت عليها مبكّراً!
وخطورة هذا السيناريو أنّه يأتي بعد المرور في قناة التعديلات الدستورية، والهيئة المستقلة للانتخاب، والتبشير بـ"الحكومة البرلمانية"؛ فإذا انهار هذا المسار في الشارع، فلن تنجح أي محاولات رسمية لإنقاذه أو انتشاله.
السؤال هنا برسم الإجابة من رئيس الوزراء المكلف
د. عبدالله النسور نفسه: إذا كنّا نتفق على استبعاد مسألة "توزير" النواب بسبب عدم صلابة الكتل النيابية، وفي الوقت نفسه اخترت الابتعاد عن الالتزام باقتراحات النواب؛ فما الذي تغيّر بين هذه الطريقة والطريقة التقليدية التي كانت تتشكّل بها الحكومات، من مزاجية (كيميا) الرئيس المكلّف في الأسماء، وفقاً لمعارفه الخاصة وخياراته الشخصية، مع "الكوتا" الجغرافية، و"كوتا" بعض مراكز القرار، بحسب الاختلاف في علاقة هؤلاء الرؤساء مع هذه المراكز؟!
وإذا كانت المفاوضات النيابية التي أجراها الرئيس ينطبق عليها المثل المعروف "تسمع جعجعة ولا ترى طحناً"؛ إذ لم تأتِ بأيّ نتائج مغايرة، فعلى الأقل كان يمكن إحداث اختراق بالأسماء، والخروج من الصندوق التقليدي إلى شخصيات غير متوقعة، تمتلك القدرة على الأقل، ما يقنع الناس بأنّ "شيئاً ما" تغيّر، عبر تغيّر الوجوه، وحضور سياسيين أقرب إلى بناء جسور التفاهم مع الشارع وإدراك هواجسه ومطالبه، وقادرين على فك شيفرة الحوار المقطوع معه!
يجادل مسؤولون في مواقع القرار بأنّ الحديث عن "اختراق" في تشكيلة الحكومة هو وهم؛ إذ لا يوجد شيء اسمه "شارع عام"، بل هناك اتجاهات متباينة ومختلفة، وحالة انشطارية حتى في الرأي العام. وهذه قضية في جزء منها صحيحة، لكنها في جزء آخر تحتاج إلى تدقيق أكبر. إذ يمكن إحداث فرق في العلاقة مع "المزاج العام" عبر شخصيات لها نزوع نقدي وسياسي إصلاحي واضح، سواء بخلفيات يسارية أو إسلامية أو حتى ليبرالية، أو لها ارتباطاتها الحزبية، أمّا أن تكون الحكومة بلاعب سياسي واحد (الرئيس)، فهذا سيعزّز من أخطائه وهفواته، وسيضعف من قدرة الحكومة على الاشتباك والتواصل مع الشارع، ويبقي الأزمة قائمة!
m.aburumman@alghad.jo
الغد