الكويتي عيدان لـ عمون : المثقف العربي أَلِف النفاق والرياء
26-03-2013 07:31 PM
يستعير من الأيائل قرونهم إزاء جدران الاستبداد والرجعية
عقيل يوسف عيدان : الفلسفة التي أرنو إليها ينبغي أن تكون وفق روحية العامل في الأرض، أي حَرْثٌ وزرع، سَقْيٌ وتَقْليم، تقطيعٌ وتعريضُ المطمور للشمس والهواء.
• معظم الناس لا يقرؤون بما يساعدهم على فهم أنفسهم من خلال الآخرين وهذا يجعلهم قساة في علاقاتهم بالناس وبالكائنات الأخرى أيضاً .
• الوعي الاجتماعي السائد في عالمنا العربي – وهو وعي متحفّظ/مغلق في مجمله – رافض وطارد للفكر الحر الذي هو صنو الفلسفة.
• إذا كان المثقف قد أَلِف النفاق والرياء مرضاة لـ الحاكم/السلطة فإن عامة الناس سيألفونها.
عمون - حاوره : تيسير النجار - ا وصف يمكن ان تطلقه صوب الكاتب الفيلسوف عقيل يوسف عيدان سوى انك امام عبد الرحمن بدوي الجديد في العالم العربي ولكن هذه المرة تدهشك دقة ما يكتب هذا الفيلسوف في كتبه التي اصبحت مراجع هامة في العالم العربي إذ صدر للفيلسوف العربي عقيل يوسف عيدان من المؤلفات :" العقل في حريم الشريعة " ، و"آنا ماري شيمل : الجميل والمقدس " ، وكارل بوبر في الحرية والديمقراطية" ، و" التنوير في الانسان" ، و" شؤم الفلسفة " .
ومن خلال هذا الحوار اقدم دعوة واضحة لقراءة هذه المؤلفات والعمل من قبل المؤسسات العربي على تكريم هذا الفيلسوف الذي تعد قراءة اعماله تكريما للعقل والفكر ولاعادة بناء الانسان الذي اصبح كل ما يحتاجه هو البناء الروحي والفكري ولعل دائما افضل وسيلة للمعرفة هي المحبة ... محبة العباقرة يعيشون بيننا وتتجلى تلك العبقرية بـ "عقيل يوسف عيدان" .وتاليا نص الحوار :
• هل ينتظم عالمنا اليوم لفلسفة معينة أم انه تفجير لنسق الفلسفة؟ .
ـ بعيداً عن قَوْلبة التفكير الفلسفي وإلصاق بطاقة تعريف أو وضع اسم على نمط التفكير العالمي السائد، أقول إن الفلسفة مثلها مثل بقية مجالات المعرفة الإنسانية، إذ عليها واجب متابعة آخر التطورات العلمية في المجالات الأخرى لكي تكون على مستوى التحدّي فلا تتخلَّف عن الركب الإنساني المتحرّك. عليها أن تقف في مواجهة العلوم الأخرى دون أن يكون لها الحظ/الحق في المطالبة بأي امتياز خاص قبالة الآخرين أو ادعاء أي تفوّق لها على غيرها فيما يتعلّق بالتوصّل إلى الحقيقة بأي معنى من المعاني المقصودة. فعلم الفيزياء، مثلاً، بحاجة إلى تجاوز بعض المسلمات والمرتكزات.. وإلاّ فلن يستطيع الفيزيائيون تحقيق تقدّم في مجالاتهم الخاصة. بدورها على الفلسفة في عالمنا الراهن أن تستمر في عملية التحرِّي الميداني والبحث النظري عن أشكال الكلام والممارسة والتفكير وشروطها الأكثر عمومية واتساعا. فالفلسفة – وفق الفيلسوف الألماني المعاصر هابرماس – تمتلك امتيازاً وحيداً بالقياس إلى بقية العلوم ومجالات البحث المتخصصة هو أنها تذهب بعيداً أكثر في عملية الفكر والتفكير. لذا أدعو – إذا كان من حقي أن أوجه هذه الدعوة – كل من يهمه أمر عالمنا الراهن إلى إقامة تحالف أو "عقد فلسفي" – إذا جاز التعبير – يكون له من الوضوح والفعالية ما لـ "العقد الاجتماعي"، وذلك من أجل سلام البشرية وعافية العقل والتفكير الإنساني. إن الفلسفة التي أرنو إليها ينبغي أن تكون وفق روحية العامل في الأرض، أي حَرْثٌ وزرع، سَقْيٌ وتَقْليم، تقطيعٌ وتعريضُ المطمور للشمس والهواء. وأن تكون وفق عقلية عامل تكسير الحجارة، أي تُحدثُ فراغات وفجوات في السلوك البشري والاجتماعي والقِيَمي.. وفق تعبير المفكر اللبناني الدكتور علي زيعور.
* الاغتناء الحقيقي لا يكون إلاّ بالمتعدد المختلف من التفكير والرأي*
• برأيك العقل العربي كيف يمكن النظر له ككتلة واحدة متناسقة؟
إذا كان المقصود بالكتلة الواحد المتناسقة هو التطابق في التفكير والعمل والطموح.. فأنا بالضد من هذه الفكرة/الدعوة، فليس المطلوب – في تقديري – أن نأمل/نعمل على ظهور عقل عربي متطابق، فالاغتناء الحقيقي لا يكون إلاّ بالمتعدد المختلف من التفكير والرأي، بل وحتى المتناقض/المتصارع في دنيويته ودينيته، في خيره وشرّه.. فالمبدأ يقول: لا تغيّر بلا اختلاف. إن هذا الرأي الواقعي والعلمي المنفتح على التقدّم يظل – للأسف – الغائب/المفقود في خطابنا الفكري العربي. إن العقل العربي – مع التحفّظ على هذه التسمية – يحتاج لكي "يوجد" حقاً أن يتبنى مفهوم "العقل السائل" – إذا صحّت التسمية – أو العقل الزمني المحايث للتاريخ، وهو مفهوم معاصر طرحه فلاسفة العلم وفلاسفة ما بعد الحداثة وقصدوا به إعْمال عميق لأدوات التحليل والتفسير والتأويل والتفكيك والنقد عموماً في أفكارنا/معتقداتنا/مواضعاتنا/سلوكياتنا.. الخ.
*المجتمع العربي ينطلق من مؤثرات نقلها/ورثها منذ زمن بعيد*
• لماذا كل هذا النفور والجفاء للفلسفة في العالم العربي؟
ـ كان الفلاسفة الحقيقيون في كل مكان وزمان، ولا يزالون، يستعيرون – وفق وصف أحدهم – من الأيائل قرونهم إزاء جدران الاستبداد والرجعية، وهو ما جعلهم في مواجهة حادة/صعبة مع هذه "الجدران" المغروسة في مجتمعاتنا منذ آماد طويلة. ولا يفوتني القول إن الوعي الاجتماعي السائد في عالمنا العربي – وهو وعي متحفّظ/مغلق في مجمله – رافض وطارد للفكر الحر الذي هو صنو الفلسفة، والمجتمع العربي ينطلق من مؤثرات نقلها/ورثها منذ زمن بعيد، ترى أن من "تفلسف فقد تزندق"، أو "الاستنكاف من القناعة بأديان الآباء" وهي التُهمة التي وجهها أبو حامد الغزّالي لفلاسفة الإسلام.. ويدعم هذا الوعي أيضاً بعض عناصر الثقافة الشعبية من حِكم وأمثال ونُكت، فمن التعبيرات الشائعة في هذا السياق قولهم: "بلاش فلسفة".. وهنا أتذكر حكاية أوردها المستشرق الهولندي دي بور في كتابه (تاريخ الفلسفة في الإسلام) تُروى عن أحد الفلاسفة الذي وقع سجيناً فأراد رجل أن يشتريه ويسترقّه فسأله: لأي عمل تصلح؟ فأجاب الفيلسوف السجين: أصلح لأن أكون حراً طليقاً. إن الحرية لا تتأتى إلا من جانب فلسفة تعرف مسؤوليتها ودورها وهو أن تكون "ناقدة" للسلطة بمعناها العام – السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية.. – لا أن تكون تابعة لها كما هو حاصل اليوم. إذن، لا بد للفلسفة من الحرية، ولكن هل تقبل/تسمح السلطة بهذه الحرية/الفلسفة؟ لا أعتقد ذلك. إن مشكلة الفلسفة مع الآخرين أنها تفضح/تكشف عن أشياء مكبوتة أو مَسْكوت عنها وأحياناً خفية، وهو ما يضر بمصالح الآخرين.
* الشعر هو فلسفة "غير تقنية"*
• طرحت في كتابك (معصية فهد العسكر) عرضاً لمضامين "الفلسفة الوجودية"، أو بالأحرى استخراج اللحظات "الوجودية" في فكر أدب الشاعر الكويتي فهد العسكر، برأيك ما هو الشعر، وما هي صلته بالفلسفة، وكيف يمكن للشعر أن يخدم الفلسفة؟
ـ باختصار شديد وبكثافة عالية يمكنني القول إن الشعر هو فلسفة "غير تقنية"، أي من دون مفاهيم واصطلاحات ومقولات. ويبدو لي أن هذا التعريف يساعدنا على فهم سؤال: كيف خدم الشعر الفلسفة؟ فإذا رجعنا إلى تاريخ الفلسفة العام رصدنا كيف قدّم الشعر خدمة استثنائية للفكر الفلسفي عبر محطات تاريخية هامة، ذلك أن ما قام به الأصولويون الدينيون ومن لفّ لفَّهم إبان العصور الوسطى وحتى الآن من حظر الفلسفة إلى حرق كتبها واضطهاد الفلاسفة ومطاردتهم بل وقتلهم.. قد فشل في استئصال أو إقصاء الفلسفة من حياة الناس، والسبب في ذلك يكمن في أن الشعر أو الفلسفة "غير التقنية" كان قد امتصّ رحيق الفلسفة إلى حدّ التشبّع، فأصبحت الفلسفة بذلك جزءاً لا يتجزأ من أفكار وتفكير الشعر. بعبارة ثانية لقد أصبح الشاعر فيلسوفاً بـ "الوكالة" – إن صح التعبير – إذ بعد انعدام/توقف الفلسفة والفلاسفة بصورة قسرية بالطبع، كان على الشعر والشعراء – ومنهم الشاعر الكويتي فهد العسكر – أن "يشحنوا" الشعر بدفقات فلسفية عالية. ولا يفوتني في هذا السياق أن أذكر ما ذهب إليه الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر إلى أن للوجود جانباً باطنيا/غامضاً لا يُدرك بالطرق المنطقية أو العقلانية المحضة، وإنما بطرق خاصة تتجاوز العقل بمعناه الفلسفي، والحَدْس الشعري – وفقاً لهيدغر الذي كان شاعراً بدوره – هو أحد أهم هذه الطرق.
* تحوَّل أغلب خطابنا العربي المعاصر إلى نوع من "التهافت"*
• تقول في كتابك (شؤم الفلسفة) إن شؤمها يعني الإحالة إلى موقعها في المجتمع العربي/الإسلامي فقد كان شؤم الفلسفة يترصّد فلاسفة الإسلام أين ما ذهبوا وحيثما حلّوا، كما كان يطاردهم – هذا الشؤم – خلال حياتهم وبعد وفاتهم أيضاً! والسؤال كيف تنظر لخطاب الكلاميين في العصر الأموي وعصرنا الحالي؟ .
ـ من المفارقات التي يمكن أن أرصدها في هذا السياق أن خطاب الكلاميين بدءاً من العصر الأموي، ولاسيما خطاب المعتزلة والتيار العقلي عموماً، كان أكثر تقدَّماً/جرأة/شجاعة في طَرْق الأبواب الموصدة أو السَّير على طُرق غير مُعبَّدة، من خطاب عصرنا الراهن. إن الخطاب الكلامي العقلاني الذي بدأ بالتبلور والاتساع منذ أواسط العصر الأموي ارتبط بالإجابة على الاحتياجات المختلفة من فكرية وثقافية واجتماعية.. وعلى الأسئلة الجديدة – آنذاك – حول ماهية الدين وحقيقته. لقد أدرك علماء الكلام، والفلاسفة لاحقاً، أهمية العلوم العقلية واندفعوا للعمل من موقع البحث عن "الحكمة" التي هي ((ضالة المؤمن))، وكل ما من شأنه أن ينهض بصرح العقلانية العربية/الإسلامية. إن ما ميّز خطاب الكلاميين والتيار العقلي عموماً – آنذاك – أنه نشأ على قبول التعدّد المنهجي والترحيب بالاختلاف في المقاربة وتنويع زوايا النظر إلى الظاهرة الواحدة، كما تحمَّل مخاطر المغامرة في البحث الحر المستقل، وليس ذلك إلاّ تحرراً من السلطة "الأبوية" الدوغمائية التي حكمت الدين والسياسة والثقافة.. في الوقت نفسه. قبالة كل ذلك تحوَّل أغلب خطابنا العربي المعاصر إلى نوع من "التهافت" على ما ترضى عنه السلطة "الأبوية" – الدينية تحديداً – أو في أسوأ الأوضاع ما لا يلامس مناطق الغضب لديها، فقد تخلى خطابنا المعاصر عن المضي قدماً في طرح الأسئلة الحرة النسبية قبالة الأجوبة المغلقة اليقينية، أو نقد الأوضاع السقيمة المعتلَّة، أو السعي الحثيث لمعرفة الحقيقة.
• هل المجتمع الإسلامي توقّف عن إنتاج الفلسفة؟
ـ لم ينتج المجتمع الإسلامي فلسفة قَبْلاً حتى يتوقف عن إنتاجها راهناً، فقد كان ذلك المجتمع المستَلب – بالفتح – من لدن السلطة السياسية المتحالفة مع السلطة الدينية، يحاول دوماً طمس وإخفاء بعض الحقائق، وكانت الفلسفة تدرِّس – عبر أطروحات ومشاريع فلسفية فردية لعدد من الفلاسفة المضطهدين – علاقة الإنسان بالإنسان من ناحية، وتبيّن المواقف التي يتخذها كل عنصر إزاء الآخر من ناحية أخرى، وهي أمور لم تكن محلّ ترحيب من لدن السلطات المستبدة/الرجعية القائمة آنذاك – وحتى اليوم، لذلك كانت الفلسفة تُحارَب/تُطارد في كل مجتمع إسلامي. إن إنتاج الفلسفة ظهر بظهور التساؤلات الناشئة عن تطوّر العقل، ولكن نتيجة غلبة الدوغمائية على أفكار الناس وحياتهم لم تستطع الفلسفة أن تحتفظ بإنتاج مستمر/ظاهر في المجتمع، بل لقد اختُزلت بالطعن واللعن، الأمر الذي نتج عنه ضياع الكثير جداً من آثارها التي تضمنت رؤاها وأفكارها التنويرية. إن إنتاج الفلسفة يحتاج إلى بيئة اجتماعية صحية/حرة وهو ما كان – وما يزال – شبه منعدم أو مفقود في المجتمعات الإسلامية بصورة عامة.
* المثقف قد أَلِف النفاق والرياء*
• لماذا تغيب علاقة الطبقات الحاكمة عن الفلاسفة، وكيف تنظر لعلاقة المثقف بالسلطة؟
ـ يمكن تلخيص هذه الإشكالية بتعبير يُنسب للأعمش يقول: شرّ العلماء أقربهم من الأمراء، وشرّ الأمراء أبعدهم عن العلماء. إن "معركة التنوير" التي كانت تُخاض في الماضي بين السلطة والمثقف، انتهت وتحوّلت – الآن – إلى معركة بين الظلامية والفكر، يتأرجح خلالها الحاكم تبعاً لمصالحة ولمنطق السلطة. لقد قرأت مرة تشبيهاً لطيفاً يشير إلى أن علاقة السياسي بالمثقف تشبه علاقة أحد السكارى بعمود الكهرباء، أي أن السياسي يبحث عن شيء يمسك به وليس عن "التنوير" الذي ينادي به الفلاسفة والمثقفون. أما عن علاقة المثقف بالسياسي فهي العلاقة الأخطر في ظني، فقد بَصَّرنا عبد الرحمن الكواكبي في تُحفته )طبائع الاستبداد) إلى أنه إذا كان المثقف قد أَلِف النفاق والرياء مرضاة لـ الحاكم/السلطة فإن عامة الناس سيألفونها أيضاً حتى يضطر أكثر الناس إلى إباحة الكذب والتحايل والخداع والنفاق والتذلل وإهانة النفس، حتى يُصبح من القِيم المعترف بها اعتبار التصاغر أدباً، والتذلل لطفاً، والتملّق فصاحة، وترك الحقوق سماحة، وقبول حرية التعبير وقاحة، وحرية الفكر كفرا.
*عبقرية الإنسان تكمن في طرح أسئلة أكثر عمقاً وقوة وأساسية*
• تُردد قول نيتشه بأن أصل نفس الإنسان حرب لا هوادة فيها فما هي سبل اكتشاف الإنسان لذاته؟
ـ إشكالية الذات – في ظني – تنبع من أن ضياعها ليس من بين الأشياء التي تثير ضجّة كبيرة، فالذات هي الشيء الذي يعيره الناس أدنى اهتمام للأسف الشديد، على الرغم من أنهم ينتبهون إذا فَقَد المرء عينه أو ساقه أو ذراعه أو أمه أو حتى خمسة دنانير.. أما إذا فقد ذاته فتلك مسألة في غاية البساطة والهدوء! لذا فأنا من المؤمنين بجملة بليغة قذفها لنا المفكّر والروائي الإيطالي إمبرتو إيكو يشير فيها إلى إيمانه "بعلامة الاستفهام، بالبحث". ويبدو لي أن اكتشاف/معرفة الإنسان لنفسه لا تكون إلا عبر طرح الأسئلة والمزيد منها دوماً، إذ تكمن "عبقرية" الإنسان – بتقديري – في طرح أسئلة أكثر عمقاً وقوة وأساسية، وذلك عبر تحدِّي افتراضات تم التسليم بها سلفا. علماً بأن الإنسان لن يستطيع الوصول إلى منطقة طرح السؤال إلاّ بالقراءة، غير أن المعضلة ههنا تكمن في أن معظم الناس لا يقرؤون بما يساعدهم على فهم أنفسهم من خلال الآخرين، وهذا يجعلهم قساة في علاقاتهم بالناس وبالكائنات الأخرى أيضاً، وهذه القسوة يبدو أنها وسيلة للتفريج عن مشاعر القلق بداخلهم. طبعاً طرح الأسئلة يعني – فيما يعنيه – الخروج من التبعية وأن نتبنى شعار الفيلسوف المؤسِّس سقراط: اعرف نفسك. يبقى أن أذكر لك مقولة للأديب هنريك إبسن في هذا السياق تقول: ((كن أفضل ما في نفسك، وكن نفسك. أن تتساءل هو أكثر أهمية من أن تجاوب)) .
* اللغة : شكل من "أشكال الحياة"*
• قدّمت الفيلسوف "فتغنشتاين" للعالم العربي من خلال كتابك (أوجه المكعب الستة – ألعاب اللغة عند فتغنشتاين) هل ترى العربي ثمة مشكلة لديه في اللغة التي يمكن أن تحمل شخصيته؟
ـ يبدو لي أن إشكالية اللغة تكمن في أن الإنسان العربي لا يعيش لغته أو مُشكل لغته أي مشكلة وعيه كشخص، فهو يعتبر اللغة مُعطى طبيعي أو حالة فطرية، وبالتالي لا تحتاج منه إلى عناية أو اهتمام. غير أن الحقيقة الغائبة عن إنساننا العربي هي أن اللغة في هذا الوضع الغريزي/البدائي أضعف فعالية/تحريكاً/تحفيزاً منها في الحالة الواعية، وهذا هو ما تصنعه الفلسفة عندما "تشتبك" مع اللغة وتُعمل فيها أدوات النقد والفحص. لذا فقد كانت أطروحة الفيلسوف لودفيك فتغنشتاين التي عرضها في كتابه (بحوث فلسفية) وحاولت التركيز عليها في كتابي (أوجه المكعب الستة) تقوم على أن اللغة ليست بناءً فوقياً، ولكنها جزء من ثقافة الناس. فاللغة عند فتغنشتاين ظاهرة اجتماعية أو شكل من "أشكال الحياة" – وفق تعبيره، علينا أن نفحصها ونفهمها من الداخل وليس من الخارج فقط، بعبارة أخرى يجب أن نصبح جزءاً حياً من اللغة.
* أحادية" الرأي هي شعار الأصولوية المطلق*
• في كتابك (العقل في حريم الشريعة – العقلانية عند الشيخ محمد عبده) وهو باكورة مؤلفاتك تقدم دعوة تعزيز للدعوة الوسطية في الفكر الإسلامي ومحاربة التطرف، برأيك ما هي أسباب التطرف في العالم العربي، ولماذا تغيب لغة الحوار؟
ـ في ظني أن "الأصولوية" – وليس الأصولية – هي أحد أسباب الرئيسة للتطرّف الأعمى في عالمنا العربي/الإسلامي، فهي لا تهدد حياتنا العقلية فقط، بل والحياة المشتركة على كوكبنا، ويتأتّى ذلك من أن الأصولوية (التي تفرَّعت عن أصولية الأصل إلى مذاهب وفرق تنتج "أصولوياتها" الخاصة) تعمل من أجل فرض عقيدة/رأي/موقف واحد على كل الناس معتبرة إياه حقيقة نهائية/مطلقة، وبالتالي فالأصولوية تضع – عن قصد أو جهل – حداً لكل بحث فلسفي/عقلي/حر مختلف. فهي متعصبة ومنغلقة على ذاتها.
إن "أحادية" الرأي هي شعار الأصولوية المطلق، لذلك هم يسعون بكل ما أوتوا به من قوة/وسائل/نفوذ منع وجود وانتشار "تعددية" فكرية، وهو ما يعني التعدِّي مباشرة على حق الاستقلالية والحرية بل والوجود الفعلي للفرد والناس، وفي ظني أن الحرية والاستقلالية من الروافد الرئيسة لمبدأ الحوار الحقيقي.