عمون – محمد الخوالدة - قبل تسع سنوات من الان غيب الموت علما من اعلام الحركة الشعرية الاردنية ، شاعر عشق الكرك المكان والانسان ، فالكرك بالنسبة اليه ليست بنت اللحظة ، بل هي نبت المجد الضارب في عمق التاريخ فبادلته الكرك الحب والوفاء ، انه الشاعر الكبير المرحوم اسامه المفتي .
يفتقد الكركيون اسامه المفتي تماما كما تفتقد قلعة الكرك ، مداميكها ، سراديبها ، اقبيتها ، تاريخها ومجدها نظراته القارئة المتاملة في لقاء يومي حرص عليه اسامه ، فاسامة بعمقه واصالته يدرك ماذا تعني قلعة الكرك في وجدان وضمير الامة لينال وبجدارة وصف "راهب القلعة"
اسامه المفتي سليل بيت علم وحصافة وثقافة ، فاذا كان والده المرحوم محمد مختار المفتي اول من عالج الاجساد كاول طبيب في منطقة الكرك في عشرينيات القرن الماضي ، فان نجله الاكبر اسامه اختص بعلاج الروح ، شاعرية دفاقة تخاطب الاحساس والشعور لتستقر في العقول فان من الشعر لحكمة وان من البيان لسحرا.

لم يكن اسامه المفتي قطريا او فئويا بل كان ابن اسلامه وعروبته ، فكان شعره مشبعا بهموم الامة ومعاناتها ، المته فرقتها وقض مضجعه ارتهان قرارها وغياب وحدتها .
لكل ماسبق تحرص الكرك في ذكرى وفاة الراحل الكبير اسامه المفتي على احياء هذه الذكرى بما يستحقه صاحبها من اكرام واجلال ، فقد نظم منتدى درب الحضارات احتفالا بهذه المناسبة في قاعة نادي الكرك حضره محبو الفقيد وارباب الادب والثقافة وجمع من المواطنين .

لئن رحل عنا اسامه المفتي فقد حرص احفاده على ادامة ذكراه فاسسوا "مؤسسة اسامه المفتي الثقافية الاجتماعية .

كان اول المتحدثين رئيس منتدى درب الحضارات الاديب نايف النوايسة الذي قال:
لقد غيب الموت قبل تسع سنوات الشاعر الكبير اسامه المفتي الذي هو من الرموز الشعرية القوية التي ظلت على عهدها من الالتزام بثوابت الأمة ومواقفها وقضاياها المصيرية، وما زلنا في الكرك نذكره قامةً أدبية وإنسانية لها شأنها وحضورها بين أبناء المنطقة. لقد عرفته من عقد، وكنت في كل مرة أكون فيها في المدينة(الكرك) تكون لقيا شاعرنا الكبير من أولوياتي، وكنت اعرف أين أجده؛ فعنوانه الرئيس هو قلعة الكرك وتجدني أخذت طريقي إلى القلعة ولا تطول رحلة البحث عنه فالعين لا تخطئه وقد بدا من بعيد شامة جميلة في عباءته وشماغه، وأتنحنح قبل أن اقطع عليه رحلته التأملية، فيلاقيني بابتسامة ودودة، لم يكن البحر الميت وفلسطين غائبة عن المشهد البصري الممتد أمامنا، وكم قال لي وهو يؤشر إلى الغرب:هاهي فلسطين أمامنا ولكننا فرطنا بها.. ويقول من الشعر ما يطفئ شيئا من نار غضبه، ثم ينهض على مضض لنأخذ طريقنا إلى بطن المدينة..
واضاف لقد ناضل المرحوم المفتي بالكلمة الحرة المسؤولة في شعره وكتاباته ، وقد حفلت قصائده بموقفه الثابت من قضايا أمته ومناهضته لكل أشكال الاستعمار، أو الوصاية على الشعب العربي، أو التهاون بالحقوق العربية.
تمتاز قصيدة أسامة المفتي كما قال الاديب النوايسه بقوة العبارة الشعرية والحرص على الموسيقى وكأنه نظم قصائده لتُعنّى، فضلا عن الصورة الشعرية الحية، أما مضامينه فهي نشدان العزة والحرية والكرامة للأمة وخلاصها من الذل والعبودية والوهن،
كان المتحدث الثاني الباحث حامد النوايسه الذي قال السلام على روح صاحب الذكرى وكل الذين الوا الى ربهم مكرمين ، السلام على روحك يا اسامة وقد انكشفت عن ناظريك سجف الغيب واصبح بصرك اليوم حديد لترى زيفنا ولبوسنا الاخلاقي الملون وادعاءنا باننا نحمل مشعل الرسالة ونحن نقتل بعضا باسم الله ، فما زال المناذرة والغساسنة يقتلون نيابة عن الفرس والروم ، مازال عثمان يعانق دم البوطي بعد الف وستمائة عام ، ولم نعرف بعد القاتل ولاذنب القتيل .
واضاف مازلنا نؤمن بان المهدي سيعود من غيبته قبل الف عام ويتأر للحسين ، مازلنا نؤمن بان الاعور الدجال سيظهر من دمشق يحمل سيفا يحز الرقاب .
مازال هذا الوطن كما ودعته يا اسامة سوق تجارة ترتع فيه الوجوه المستعارة ، استميحكم عذرا ايها الاجلاء ان خرجت عن السياق ، فماذا تاملون ممن يرحل عن الخامسة والسبعين وقد رحل معه الامل بنصر هذه الامة وهي تلقي بشباكها الى الخلق عسى ان تجد من التاريخ عونا ومتكأ.
ايها الاخوة ها قد مضت تسع سنوات على رحيل الجليل اسامه المفتي رحمة الله ولم يرحل من ذاكرة محبيه ، فالشعراء لايموتون ، ورحم الله شوق اذ يقول :
الناس نوعان موتى في حياتهم ... واخرون ببطن الارض احياء
اما رئيس ملتقى الكرك للفعاليات الشعبية خالد الضمور فقال : لقد كان الفقيد صاحب ثقافة شاملة والكثير من الطباع ومنها الوقار والاتزان ، لقد سبق المرحوم اجياله فكرا وادبا وثقافة فكان مركز جذب لمن جالسه واستمع لادبه واشعاره الحرة ذات اللحن الخاص والنابعة من حس المعاناة التي يعيشها .
واضاف لقد تحدث اسامه المفتي في كل شيء واعطى معنى لما قال منطلقا من خلق رفيع وتواضع جم وكبرياء في مكانها ، كان مصدر راحة لم يجالسه ، يجدد الثقة بالنفوس ، رهبانيته كانت للبحث عن عن الالهام ومناجاة الغيب واستحضار التاريخ في الماضي والحاضر .
والقى الشاعر صيام المواجدة قصيدة منها :

اليوم يذكرك الاردن في وجع ... من بعد ماذرفت عيناه مرارا
ياراهب الحصن كم سطرت ملحمة ...القت عليك من الاشباه اوزارا
من ذا سيزرع في شيحان نرجسة ... او من سيؤنس في ناياتك النار
الباحث واصل المبيضين قال :
سلام عليك من الطيبين وانت بين الراحلين ، رحلت ومافي الموت شك لواقف ، لكن غيابك فيه حضور الصورة وحضور الارث الادبي الخالد ، رحم الله ابن الكرك البار الشاعر اسامه المفتي ..ففي الذكرى التاسعة لرحيلك يجتمع بعض محبيك ليجددوا الصفحات والسطور والكلام , لانك المهلم الذي صفقت له القلوب واصاخت له الاذان وحكت على افنان حدائقه الغناء سارحات الطيور ورقت لقصائده مرهفات الشعور، فاشعارك ندية الافق كثيرة العبق لاتاتي كما اتفق ، بل تجيء كما تشاء هفهافة القد جميلة الميعاد والوعد ، ثم قرأ المبيضين قصيدة من نظم صاحب الذكرى اشجت الحضور .
وقدم للاحتفالية الباحث عبدالحي الرماضين الذي قال :
نلتقي اليوم في ظلال استذكار حميم ووجدان عميق لقامة شامخة وشجرة باسقة وارفه ، انه المرحوم الشاعر اسامه المفتي في ذكرى وفاته التاسعة ، انه الرجل الذي احب امته ووطنه ووفى الموقف والكلمة ، احب الكرك واحبته فوهبها جل وجدانه .
وفي الختام شكر نجل الفقيد اياس المفتي منتدى درب الحضارات ونادي الكرك ومديرية ثقافة الكرك لاهتمامهم بهذه المناسبة ، كما قدمت عروبة الشمايلة مساعدة مدير ثقافة الكرك وناصر المعايطة من منتدى درب الحضارات درع المنتدى لنجل الفقيد.