هذا ما كان ينقصنا ،، تشريع يبيح تعاطي المخدرات وكأن كل مشاكل هذا الوطن الذي استوحلت طبقاته الرسمية قد تم حلها ولم يبق سوى مشاكل أهل المزاج ، وتعطّل حياة والد الصبي المدلل ، ونواح والدة الفتاة الفالتة من عقال التربية ، قبل أن يضطروا الى توكيل محام " شاطر " لمراجعة المحكمة لمتابعة أو محاولة " لفلفة " قضية أحد أبنائهم الذي ضبط متعاطيا للمخدرات لأول مرة ، فهل سنعيش لنرى فكرة مجنونة لطباخي السمّ القانوني في الدولة الأردنية ينص على عدم ملاحقة الجاني الذي يرتكب جريمة قتل لأول مرة ؟! ولم لا ، فكل ذلك متوقع في وطن تحول الى غيمة من الهذر ، والمتشدقين وأصحاب الآراء السخيفة ، ومجالس " البصيّمة " تهزه رياح المتآمرين على أهم ركائز المجتمع وهي التربية والأخلاق والمراهقين .

لا يعقل ، ولا يمكن أن نتخيل أن يصدر مثل هذا التعديل في القانون أصلا من وزارة لم تفلح يوما في تطوير المواطن الأردني ، ليمر مرور اللئام كالدم الخبيث بين الصلب والعظام المجتمعي نحو مجالس الجهلة والعجزّة الذين مرروا السكين على رقابنا ، دفاعا عن أبناء بعض الشخصيات المشهورة الذين يتورطون بين الفينة والأخرى في قضايا تعاطي المخدرات ، والمشاهد شاهدة على أسرارهم المفضوحة ، فالتعديل ليس له مبرر ، وسيثير الريبة والشكوك حول من المستفيد : أهو للتغطية على تورط أبناء الشخصيات كما اعتدنا ، أم انتصار لتجار المخدرات والسم الأبيض ، كما أصبح الشارع يتحدث ؟!

أرجوكم ،، كل معني منهم ليأخذ " نفس حشيش " مجاني ، حتى يستوعب السؤال : إذا كانت القوانين تجترح وتعدّل حسب متطلبات المجتمع ومعالجة مشاكله العامة ، فما هي الحكمة من تعديل قانون المخدرات والمؤثرات العقلية نحو هذا التساهل ، هل هناك ضغط شعبي ، أم مظاهرات تجوب الشوارع لفتح هذا القانون بدل فتح ملفات الفساد المالي الضخم لأكابر اللصوص ، وها قد كاد الشعر ينبت على ألسنتنا من قبل سنوات ونحن نطالب بتغليظ العقوبات للحد من الجريمة والفساد وعلى رأسها الإتجار بالمخدرات ، فمن أين جاءت هذه الفكرة العبقرية ، وأي صبي مدلل شكى لأمه لتضغط على أبيه ليرمي بورقة المشروع على سهل هذا الأمر ،، وكيف تثبت بأن هذا الحشّاش أو المتعاطي قد تعاطى المادة المخدرة لأول مرة ؟، وكيف سنكافحها ما دام المتعاطي لا يسأل من أين وممن اشتراها ؟

الولايات المتحدة تتكبد سنويا مايقارب 50 مليار دولار خسائر جراء المخدرات ومكافحتها ، فيما أكد تقرير سابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش المتعلق بالعنصرية الأمريكية ، أن هناك ازديادا مضطردا في حملات الإعتقالات التي تقوم بها السلطات الأمريكية ضد متعاطي المخدرات ، خاصة السود منهم ، وتقول أن معظم عمليات الاعتقال تتم بسبب تهم مرتبطة بحيازة المخدرات، وليس التجارة بها حيث تزداد الاعتقالات بسبب حيازة المخدرات سنويا بنسبة 80 في المائة، وذلك منذ العام 1999

أما عن أنواع المخدرات فقد وجد التقرير بأن الماريغوانا تعتبر أكثر أنواع المخدرات انتشارا بين الأمريكيين، حيث تتراوح نسبة الاعتقالات بسبب الماريغوانا بين 37.7 إلى 42.1 في المائة ،، إذا ما الحكاية ما دام جماعتنا مغرمون بالنمط الأمريكي ؟

أما هولندا وهي الدولة الأوروبية الأشهر بالسماح للسائحين والمواطنين بشراء وتعاطي الماريجوانا والحشيش في أماكن مخصصة ، صّوت برلمانها المحترم على منع بيع الماريجوانا أو الحشيش واعتبارهما غير مرخصتين .. فيما تكافح روسيا بضراوة تعاطي وتداول المخدرات حتى وصل الأمر بها الى أن شاركت قواتها الخاصة مع قوات أمريكية لتدمير مصانع المخدرات في افغانستان ، وحكومتها تشكو من تزايد أعداد الوفيات حتى أربعين ألف مدمن جراء تعاطيهم المخدرات التي تبدأ عادة بالحشيش أو الماريجوانا أو حبوب الهلوسة أو المنبهة ، وهذا العدد حسب تصريحات لمسؤول روسي قبل سنوات أكثر بكثير من الخسائر البشرية للجيش الروسي في افغانستان بين عامي 1979 و 1988 ..

لذلك لا يقل لي أحد أن ما جرى عندنا هو تطبيقات عالمية ، فهذا كذب وتدليس وتعهير للمجتمع بالكلية ، فمجرد إعلان هذا الخبر عبر الصحافة سيدفع بأي مراهق كان مترددا بتجريب تلك المواد المتوفرة بكثرة بين أوساط الطلبة والشباب ، سيدفع به الى تجربتها مرة تلو الأخرى حتى يأتي الدور عليه ليقبض متلبسا ، فيكون المجتمع قد تم اختراقه بشكل فاضح ، وينحدر أكثر وأكثر ، حتى يتوحش البشر ،.

لن أسأل معالي الوزير ومجلس الوزراء ورئيسه وأصحاب السعادة غير السعيدة النواب والأعيان ، من الذين اصطفوا للدفاع عن المادة المبيحة دون أي مبرر ، فيما تركوا قوانين لا تزال مطلبا شعبيا لم يقربوها ، لن نسألهم عن السرّ ولكن أورد معلومة للعلم فقط :

فقد نقلت صحيفة "الأوبزرفر" قبل ثلاث سنوات عن أنطونيو ماريا كوستا، رئيس مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة قوله إنه رأى أدلة على أن عائدات الجريمة المنظمة وأهمها المخدرات كانت هي "السيولة الاستثمارية" الوحيدة المتاحة لبعض المصارف التي كانت على حافة الانهيار خلال الأزمة الإقتصادية ، وقال أن هناك دولا ومصارف كبرى سهلّت إدخال مليارات الدولارات اليها مع علمها أنها عوائد تجارة المخدرات ، و إن معظم أرباح تجارة المخدرات، البالغة 352 مليار دولار سنويا ، تم استيعابها في النظام الاقتصادي نتيجة تسهيل الإجراءات .

إنها مؤامرة ، نعم مؤامرة لا ندري من خلفها ، ولكن كنا على يقين من أن مجلس الأعيان سيرد القانون الى مجلس نواب العبدلي ، ولكنه خالف لجنته القانونية وأقرّ القانون متذرعا كمن سبقه بتبريرات سخيفة لا ترقى الى أدنى مستويات الفهم والمنطق ، فيما مرت الحكاية دون ان يثيرها أحد أو تتناولها أي جهة ، وكأن العزاء عند الجيران ، فيما المأتم وسط بيوتنا .

المنطق يقول ، والحكمة تؤكد على أن المرحلة الأخيرة لإحباط إقرار القانون بهذه الصيغة الكارثية هي بين يدي جلالة الملك ليرد القانون على أهله ، والشعب والآباء والأمهات والأسرّ يطلبون حماية أبنائهم والكف عن محاربة الله بقوانين دولتنا العتيدة ،،
فهل من مجيب ؟!