مع أن الأمل ينمو و يقوى كما النوى يبذر تحت التراب، فيشق الثرى ويعلو و يثمر و يعطي، فاذا ضاع الامل و الصبر طال، تسبب في الهزال و النحول للجسد (والوطن كله جسد).
إن ما يراه المواطن يجري على ساحات الوطن و على منابره الرسمية، لهو مدعاة للالم، و مؤشر غير إيجابي، يقلل التفاؤل و يدعو للحسرة و الندامة، كمن ذاك الذي يفقد الحياة من شدة الالم كلما لاح بريق اصلاح ماتت وسائله.
الاصلاح سبائك ذهبية، لا يتقنه الا الصاغة اهل الحرفة الممارسون له، المتنامي علمهم بالخبرة التراكمية، الا ان حال اصلاحنا و صلاحنا، خرج عن هذه الرؤية، وان ما نراه من تعاقب الاحداث يجعلنا في شك و حيرة من ان الصاغة انفسهم اصبحوا عاجزين، وكأن بريق لمعانه اختطفت الابصار و أزاغت النظر، فاختلط لمعان الذهب بالنحاس (فمن يهدي التائه الحيران).
كان اهل الحضر أذا أرادوا ان يمتلك أبنهم البيان، بعثوا به الى فصحاء البادية، لانهم هم الذين تنحني لهم البلاغة وناصية البيان، وكذلك صياغة الاصلاح و صناعته تحتاج لاهل القرار، الذي يسمو بهم و يعلى قدره بين ايديهم، أما الذهاب به للغير فهو تسويف و تقليل، يقوده الى المجهول.
أما الذين أكل الحسد قلوبهم، و نهش الحقد نفوسهم، و أبحر الطمع و الفساد بسفنهم الى بحر الظلم و الظلام، فلا خير يرجى منهم، وان لبسوا أثواب الواعظين، فهم مثل ذاك الشاعر، اذا مدح رفع و ان هجا وضع، وكلاهما لغرض مخبوء في نفس قائله.
الوطن و الاصلاح توأمان، وأهلهما اللذان يريان الموت في الهجاء كمن جنى العسل و أذاقه فمه، يسعى الى المنايا غير هياب ولا وجل، وسعيه مغموس بصدق الانتماء، يعشقون الوطن عشق المؤمنين لله، خالصة نفوسهم، طاهرة أجسادهم، ندية أكفهم، لا يشوبهم دنس، شرفاء من المهد الى اللحد، هم كثيرون في ربوعك يا وطن، ملء العيون، زاغت عنهم الابصار، لان المراد في هذا الزمان، الضعفاء المتسلقون أهل النفاق،الذين يغيرون جلودهم على مدار العام، كما تفعل الافاعي بأثوابها.
الذين غزى الشيب رؤوسهم، وأنحنت قاماتهم، وهم يحرثون الارض و ينحتون الصخر و ينزفون العرق، هم الذين يقدرون قيمة الوطن، يغارون عليه و يحترقون، كلما رأوا إنجازاتهم تحترق، ومؤسساتهم تباع و تستباح، بايدي عابثين قصيري النظر، جل همومهم الاستمتاع بالحياة، ينادون بتجاوز الخطوط الحمراء، غير آبهين بما تؤول له الامور،تاركين القيم و التقاليد وراء ظهورهم، محلين لبعض ما لا يحل.
حمى الله الأردن و شعبه و مليكه.
الدستور