أوهام الديمقراطية التوافقية ونظام الكوتا في الاردن
د. اسامة تليلان
25-03-2013 01:28 PM
لا الديمقراطية التوافقية ولا نظام الكوتا يمكن اعتبارها اساليب ونظم داعمة لبناء مجتمع متصالح ونظام سياسي ديمقراطي ودولة مدنية ديمقراطية قوية، فالديمقراطية التوافقية اعتبرت مجازا من النظم الديمقراطية، لانها في الواقع تقضي على اهم عناصر الديمقراطية وهي التعددية والتنافس السياسي والتداول السلمي والاحتكام للاغلبية، فضلا عن انها تؤسس لشرعنة المحاصصة وتوفير الاطار القانوني لتمزيق المجتمع الى طوائف واثنيات وهويات فرعية والحيلولة دون الوصول الى طموح بناء الشعب.
الديمقراطية التوافقية صيغة غير ديمقراطية لكنها تولد لملئ الفراغ في الدول الهشة والانظمة الضعيفة مع حضور طاغ للطائفية والعرقية والهويات الفرعية، وتعبر عن عدم وصول الناس في أي دولة الى طموح الشعب المتجانس.
والكوتا في قانون الانتخاب هي نظام تخصيص ونظام تمييز ايجابي مرحلي وليس دائم، وهذا التخصيص ينبغي ان لا يخرج عن اطار الجندرة والاحزاب والمؤسسات الحداثية، لانه أي نظام الكوتا في حالة الاقليات يؤدي الى تمحور كل اقلية حول الذات او العرق او الهوية او الطائفة ويعزز الشعور بالتمايز والاختلاف عن المجتمع والانغلاق والتعنصر، وبالتالي تعثر الاندماج والانصهار بين مكونات الشعب، ومن ثم تعثر عمليات التحول لبناء نظام ديمقراطي سليم والوصول الى طموح الشعب المتجانس. هذا فضلا عن ان هذا النظام يحيد عن فكرة النظم البرلمانية فالتمثيل السياسي النيابي يفترض ان لا يقوم على العرق والطائفة وانما على التوجهات السياسية والبرامجية.
تاريخيا نظام الكوتا عبر عن مفهوم الإجراء الايجابيAffirmative action حيث أطلق في الولايات المتحدة الأمريكية على سياسة تعويض الجماعات المحرومة، وقد نجم عن حركة الحقوق المدنية (الأقلية السوداء) وقد أطلقه الرئيس كيندي في عام 1961، وتابعه جونسون في برنامجه الذي كان يمثل جزءاً من الحرب على الفقر في بداية عام 1965، وتم تطبيقه لالزام الجهات المعنية بتخصيص نسبة معينة من المقبولين للطلاب الذين ينتمون إلى أقليات أثنية محرومة، ثم طالبت به جماعات أخرى مثل الحركة النسائية، وانتشر في بلدان أخرى كانت تشعر فيها الأقليات بأنها محرومة من الحقوق.
وكلمة اقلية في قاموسنا ينبغي ان تنتهي بالمعنى السياسي بالحصول على جنسية الدولة والتمتع بكافة الحقوق المدنية والسياسية وحقوق وواجبات المواطنة، فالاردني اردني أيا كان منبته ولا يجوز تمييزه او فصلة بكوتا عن غيره من الاردنيين. وقانون الانتخاب ينبغي ان يعزز الاندماج بين فئات المجتمع لا ان يعزز التمحور والتمايز الاثني والطائفي بحجة تمثيل شرائح المجتمع.
ليس من وظائف قانون الانتخاب ان يضمن تمثيل الناس اجتماعيا بناء على العرق والطائفة والهوية ، وليس من الاصلاح ايضا ان تكون المعادلة حسابية في تمثيل النواب للشرائح المجتمعية، كأن نقول ان الشريحة التي يمثل سكانها 20% ينبغي ان تحصل على 20% من مقاعد مجلس النواب، اننا بذلك نعيد انتاج المحاصصة ونبتعد اكثر عن بناء نظام ديمقراطي مدني.
ما نحن بحاجته في عملية الاصلاح ينبغي ان يسير نحو الغاء نظام الكوتا القائم على العرق والطائفة ونمط المعيشة (كوتا البدو)، على ان يتزامن ذلك مع التفكير والعمل على تطوير قانون انتخاب يعوض هذا الالغاء لصالح بناء شعب متماسك ومندمج ودولة قوية واحساس اقل بالحرمان، وهذا ممكن وقابل للنقاش ان ذهبنا الى فكرة البرامج والاحزاب وتمثيل توجهات الناس الفكرية والسياسية وتمثيل تطلعاتهم بحياة افضل، وهذا يتطلب ان يكون العمل على قانون الانتخاب من الان على أمل ان ننجز تطويره خلال عام او عامين.