قبل مائة عام تقريباً ، صدحت صرخة الشريف الحسين بن علي، عالية كهمته فنهضت بدَويِها أمة العرب، واليوم يطلق الشريف الملك عبد الله الثاني صرخات شبيهة مُجَدِدة، علَ من يسمعها ويعيها أن يفيق ويستجيب، فسيد البلاد يستنهض همم ابناء الوطن والعالم بأسره، حيث يقول جلالته «إننا كتبنا فصلا جديدا في تاريخنا، وأنا لا أكتبه لوحدي، بل يشاركني في كتابته الشعب، وممثلوه، والقوى السياسية، والمجتمع المدني»وكلنا يعلم بأن صناعة المستقبل لا تكون فردية بل تشاركية، أساسها الرغبة في العمل، ووضع الخطط المدروسة بجدية ومنطقية وواقعية.
إن «إرسال» الصرخات الملكية يلتقطه من يرغب في استقباله، ذلك الإنسان الذي يمتلك القدر الكافي من الوعي والفطنة فيسمع القول ويتبع أحسنه، فجله يقع في القلب، وبعضه يصل مداه إلى القريب ولو بَعُد موقعه، فيأخذ به من رغب بمشاركتنا في تحمُل القَدَر والمسؤولية، ومسؤولياتنا اليوم لم تعد محلية بل دولية بكل المقاييس، فَهَمُأشقاؤنا هو هَمٌ فوق همنا، فيعلم الله ويعلم العالم كله بأننا ما خذلنا أحداَ إستجار بنا في يوم، فهذا هو الأردن وهؤلاء هم الأردنيون.
في الحوار الذي تم بين جلالة الملك مع مندوب وكالة الأنباء الأمريكية، أسوشيتد برس، دوت عدة صرخات ملكية، كانت أولها عربية عالمية تختص بعملية السلام، الهَم القديم الجديد حيث بدت الرغبة الملكية واضحةبأن «تستأنف المفاوضات على أساس حل الدولتين»، وأن ذلك «هو جزء من مصلحتنا الإستراتيجية الوطنية ومفتاح الاستقرار في منطقتنا».
صرخته الثانية كانت حين سُئِل عن «ملكية مختلفة يرثها نجلكم هل سنرى في السنوات القريبة ملكية بصلاحيّات أقل»، فكان رد جلالته، «سوف تتخذ الملكية خطوة إلى الوراء، وذلك تمشيا مع خارطة طريق الإصلاح التي رسمها الأردن وصولاً إلى حكومات برلمانية على أساس حزبي، بحيث تتخذ المؤسسات الديمقراطية، التي تم تعزيز تمكينها مؤخرا، خطوة إلى الأمام، مثل قيام البرلمان بدور فاعل في اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، كما هو الحال الآن في مرحلة التحول التاريخية في حياتنا السياسية» وما تكليف دولة الدكتور عبد الله النسور إلا تأكيد على التوافق البرلماني المشار اليه أعلاه، والذي يؤكد أن الشعب قد ارتقى مكانة عليَة في مسار التحول الديمقراطي التدريجي التسلسلي المسؤول، والذي يسير حسب خطة ملكية شعبية تجديدية مدروسة لا إرتجالية.
وما كان لمثل هذا الإنجاز الوطني أن يتحقق لولا التزام الملك بتوثيق الرباط بين الملكية والشعب، «وهو الهدف السامي الرئيس للملكية، والمتمثل في حماية ازدهار الأردن واستقراره وأمنه ووحدته، والعمل من أجل الأردنيين، حتى يتمكنوا من تحقيق تطلعاتهم» وتأكيده مجدداً بأن تواصل الملكية القيام بدور الضامن للدستور، كصمام أمان وكملاذ أخير لتجاوز حالات الاستعصاء السياسي.
انها الثقة المتبادلة بين الملك وشعبه، فمن هو الذي يفوض أهم صلاحياته لشعبه سوى الواثق به المطمئن إليه، إنه الملك الحكيم والقائد الحليم الذي يؤمن بالديمقراطية والشورى كأساس في الحكم وصنع القرار، وهي خطوات واعية راشدة في مسار صياغة مستقبل الوطن، فالوطن أغلى ما نملك.
وصيحته الثالثة كانت تختص بالإقتصاد، «وذلك هو السبب في الدفع باتجاه الانتخابات، بحيث تكون خياراتنا الوطنية جماعية، إذ أن الأزمة الإقتصادية العالمية أضرت باقتصادنا، وجاء الربيع العربي بعدها فتباطأ أداء قطاع السياحة والاستثمارات وقد أدى تدفق اللاجئين السوريين إلى زيادة الضغط على الموارد والبنية التحتية، فيما توقفت تجارتنا عبر سوريا تماما بالإضافة لإنقطاع إمدادات الغاز المصري بشكل متكرر».
إن إستضافة اللاجئين السوريين تبلغ 550 مليون دولار أمريكي سنويا، وهناك حاجة ماسة ليس فقط لمساعدة البلدان المضيفة، مثل الأردن، بل لإيصال المساعدات داخل سوريا, لكسب قلوب وعقول السوريين، قبل أن يملأ المتطرفون الفراغ الذي يتركه انهيار الدولة السورية، ويتسنى منع الهجرات الجماعية، وهنا يدعو جلالته العالم بأسره للتحرك وتحمل مسؤولياته قبل فوات الأوان.
هذه هي بعض الصرخات التي تؤكد بأن الملكية تحافظ على دورها،بوصفها رمز الوحدة الوطنية، والصوت الذي يعبر عن جميع الأردنيين، ويدافع عن القيم الأساسية والإنسانية لهويتنا الوطنية، والاستقرار في المنطقة والعالم.