أسمنت الراجحي في المفرق : ثنائية التلوث و التنمية
علي الخوالدة
24-03-2013 03:08 PM
أصبحت قضية البيئة في عالمنا المعاصر قضية جوهرية و أساسية في المجتمعات ، و ذلك لتأثيرها على صحة الانسان و سلامته و إستمراره على كوكب الارض ، ففي بداية القرن الماضي كثرت التحذيرات من النشاط البشري على الأرض و تأثيره على سلامة الأنظمة الايكولوجية ، و لعل كتاب " الربيع الصامت " لمؤلفته راشيل كارسون و التي ماتت بالسرطان فيما بعد كان البداية لهذه التحذيرات ، و الان أصبحت هذه القضايا مصدراً للقلق على كوكب الارض و نظمه الحيوية .
و في الآونه الاخيرة عانت البشرية من اثار التلوث البيئي و مخاطره من أمراض مميتة و قاتلة على الإنسان و الكائنات الحية ، و التي يعتمد عليها الإنسان في بقائه ، و من هنا أطلقت الأمم الحية و منظماتها مصطلح التنمية المستدامة ، و يشمل هذا المفهوم ثلاثة أبعاد رئيسية هي : البيئة و المجتمع و الاقتصاد ، و عند البدء بأي مشروع اقتصادي يجب الأخذ بعين الاعتبار اثاره الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية ، و إغفال هذه الأبعاد قد يكون مسؤولاً عن فشل كثير من المشاريع ..
مصنع الراجحي هو أحد الامثلة على الإستثمار الإعتباطي غير المدروس ، يقع المصنع شرقي بلدة بلعما بحوالي كم ، و المنطقة التي يقع فيها المصنع منطقة زراعية اعتمد عليها السكان في الماضي على مصدر رزقهم و معيشة مواشيهم ، و يحيط به بعض الابار الارتوازية و المزارع ، و هناك مزرعة جملية مليئة بالأشجار المثمرة قريبة جداً منه ، و يشكل المصنع خطراً قاتلاً بطيئاً لا قد يشعر به السكان في الوقت الحالي ، و لكن ستشعر به أجيال المستقبل ، فهناك حديث من بعض الاهالي عن إستعمال الفحم الحجري المحرم دولياً بشكل غير سليم ، و للمعرفة أكثر عن مصانع الاسمنت و تأثيرها على حياة الناس فهناك تجربة حية مماثلة من المعاناة ، و هي مصنع الفحيص .
و إذا تحدثنا عن البعد التنموي و الاجتماعي ، فلم يقدم المصنع أي مشروع خدمي أو تنموي يفيد ابناء المنطقة و يخفف معاناتهم في المستقبل ، ما عدا بعض الوظائف المتواضعة و التي يحتاجها المصنع أصلاَ ، أو بعض المساعدات الضئيلة.
للأسف أن الوعي البيئي متدنيا ً ، و لذلك يقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني مسؤولية ، و هنا أصبح مسألة تأسيس جمعية لحماية البيئة في منطقة يطوقها التلوث مسألة ضرورية ، خصوصا َ أن رأس المال لا يزال يتعامل مع المسؤولية الاجتماعية بعدم جدية ، و المواطن لا يدرك أن خدمته و تنميته جزء من واجب القطاع الاقتصادي ، و مبدا أساسي من مبادئ المواطنة الصالحة .
مطلوب من الشركة تقديم إفصاح بيئي عن الممارسات و معلومات سليمة عن إستخدام الوقود و كيفية استعماله ، وكذلك تدريب العاملين و توعيتهم و ارشادهم فيما يتعلق بالصحة المهنية ، فهم لا يعملون في مخيطة لتركيب أزرار القمصان أو في تغليف الشوكولاته .
المصنع أصبح واقعاً الان ، و يمكن من خلال بعض الأجراءات التي تتخذمها الشركة مساعدة المواطنين و أهمها : ابتعاث اوائل المدارس في المنطقة و بشكل شفاف ليعودوا مهندسين و فنيين و و غيرها من الوظائف التي يحتاجها المصنع ، و تأسيس عيادة للأمراض الصدرية و التنفسية ، و مساعدات للفقراء و الاسرة المعوزة ، و غيرها من الخدمات التي يحتاجها المواطنين . و يبقى الأمر الاكثر أهمية هو إلتزام المصنع بالقواعد البيئية و الحد من التلوث ، و التي لا تزال المعلومات عنها ناقصة .
هذا المقال الأول و سأتحدث بشكل أوسع في المستقبل عن الآثار البيئية للمصنع ، و بتفصيل أكبر.