البيت الأبيض قلق من قلة خبرة مرسـي السياسية
24-03-2013 01:18 PM
*أوباما ينظر إلى المعارضة المصرية فئة عاجزة تميل إلى الفوضى
عمون- كتب جيمس تروب، المحلل السياسي في في "فورين بوليسي": أتيحت لي الفرصة، في الآونة الأخيرة، لأتحدث إلى مسؤولين في البيت الأبيض وتطرقت خلال عدد من النقاشات معهم إلى الآلية التي تتبعها الإدارة الأميركية بشأن مصر.
وعلى الرغم من أن أوباما يتردد في دفع الولايات المتحدة إلى النزاع الدموي في سورية، هناك من يتهمه من بين خصومه بأنه يغض الطرف عن رئيس مستبد آخر في القاهرة. ويتهم جمهوريون، من بينهم السيناتور ماركو روبينو، البيت الأبيض بأنه يقدم شيكاً على بياض بمبلغ 250 مليون دولار الى النظام المستبد الذي يهيمن عليه جماعة الإخوان في مصر. أما المحللون الذين لا يملكون سلطة حقيقية، من أمثال مايكل وليد حنا من «مؤسسة سنتشري»، أو الباحث في مركز التفوق الأميركي، بيتر جول، فيثيرون أفكاراً أكثر حدة، زاعمين ان واشنطن تكافئ مرسي لالتزامه بالأهداف الأميركية المتعلقة بأمنها القومي، تماماً كما فعلت الإدارات السابقة حيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
هل هناك وجه للعدالة في هذا الطرح؟ يستحق أوباما، على كل حال، الثناء لقبوله علناً اختيار الشعب المصري لحكومة يقودها الإسلاميون، بعد عقود من الرفض الأميركي لأي نوع من التعاطي مع هذا التيار. ولكن هل تصح الانتقادات بأن رد فعل البيت الأبيض كان دون المستوى حيال منح مرسي الحصانة لنفسه ضد أي نوع من الرقابة القضائية، وفرض دستور غير ليبرالي، وعدم اكتراثه بخصومه وآرائهم.
بينما يبدو من المستحيل إثبات ما إذا كان مرسي معتمداً استراتيجية الصمت (من قبل البيت الأبيض)، التي أعطته الضوء الأخضر ليستمر في تكريس استبداد الأغلبية. لم تكن في نية أوباما أن يصدم سفينة مرسي الهشة جداً. ويقول أحد الوجوه الذين غادروا الإدارة بعد انتهاء ولاية أوباما الأولى، «نحن لا نرفع صوتنا»، مضيفاً «لم يكن هناك انتباه بما يكفي لدعم أولئك الذين يقفون على الجانب الآخر».
فرضا ان أوباما أخطأ في حذره حيال مصر، وتلك هي طبيعته، وهي في كل الأحوال، أفضل من البديل الذي خضنا تجربته مع الرئيس جورج بوش الابن. فقد اتسم أسلوب أوباما، بشكل عام، خلال ثورات الربيع العربي بأنه يعمل في الاتجاه الصحيح، ولكن بشيء من التأخير. ما العمل الآن؟ وما الذي يدور في أذهان مسؤولي البيت الأبيض بشأن مرسي، وكيف يرون الطريقة المناسبة التي يمكن ان تؤثر في سلوكه وتصرفاته؟ والجواب المباشر هو أنهم يعتقدون ان الرئيس المصري ومعاونيه يشعرون بالقلق تجاه قلة خبرتهم وعدم كفاءتهم. ويقول أحد المسؤولين الأميركيين في وصف السلطة المصرية «هذه مجموعة من الفتية قضوا في السجن 40 عاماً، ولا يعرفون ماذا يفعلون، وهم يرتكبون أخطاء كثيرة»، ويضيف «غير انه ليس هناك أي بديل إلا توجيههم نحو الطريق الديمقراطي».
في الوقت الحالي، يعتبر مرسي «الرجل الخطأ» أو غير المناسب، لكنه الرجل الوحيد في المشهد المصري، ولابد من دفعه برفق نحو الديمقراطية، وهذا ممكن. وتنظر الادارة الى المعارضة المصرية مثلما ينظر آخرون اليها، على أنها عاجزة وكسولة وتميل إلى الفوضى، وتميل إلى الهرج في شوارع القاهرة بدلاً من القيام بعمل جاد في شتى أرجاء البلاد. وعندما زار وزير الخارجية الجديد جون كيري القاهرة أخيراً، تحدث الى شخصيات معارضة مهمة، من بينهم المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، وحثهم على عدم مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة، وكانوا اعلنوا انهم لن يشاركوا فيها.
ويفتح تراجع شعبية مرسي الطريق أمام معارضيه للحصول على مكاسب كبيرة، وإن كان السلفيون سيحظون بنصيب الأسد مقابل العلمانيين. وما يفرح في هذا السياق هو احتمال تأجيل الانتخابات لثلاثة او أربعة اشهر، ما يمنح المعارضة وقتاً كافياً لإعادة النظر في «قرار سيئ جداً».
تشعر إدارة اوباما، على ما يبدو، أنها في وضع مريح مع الجيش المصري اكثر من أي وضع آخر. ويعود ذلك الى ان الجيش الذي أطاح بمبارك وسلم السلطة الى رئيس منتخب، هو نفسه الذي ساعده على البقاء في منصبه، ولم يزل.
وقال المسؤول الأميركي نفسه «إنهم (الجيش) مصممون على العمل مع الاسرائيليين، ويتعاملون بطريقة جيدة في مسألة الحدود مع إسرائيل». وليس لدى الادارة أي مصلحة في قطع المساعدات العسكرية او إعادة النظر فيها، عكس ما يرى ويلح البعض، ولم يتطرق كيري أو حتى يلمح إلى هذه المسألة خلال زيارته الأخيرة للقاهرة. وبشكل مختصر، يبدو أوباما اقل قلقاً تجاه توجه مصر مرة اخرى الى الاستبداد من قلقه على احتمال تفكك مصر.
فالخزينة المصرية لا تملك من السيولة، إلاما يكفي لثلاثة اشهر فقط، ولا يتوقع وصول المزيد من الأموال من قطر أو من أي مصدر آخر، في الوقت الذي يعرض فيه صندوق النقد الدولي قرضا بقيمة 4.8 مليار دولار، وهو الفرصة الوحيدة للقاهرة لتفادي الإفلاس. أما بقية المؤسسات التي بإمكانها توفير تمويلا إضافيا، مثل البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي، فإنها لن تحرك ساكناً قبل ان توقع مصر اتفاقاً مع الصندوق الدولي. ويطالب هذا الأخير بإجراء اصلاحات تراها القاهرة مؤلمة من الناحية السياسية، ولعل أبرزها قطع الدعم الذي يحافظ على انخفاض كلفة الطاقة والغذاء. وكان رد مرسي على مطالب الصندوق، بأن تعمل واشنطن على الضغط من أجل منح مصر المعونة المالية الضرورية، من دون الحديث عن إصلاحات داخلية.
منح مصر حوافز مالية غير كافية، وإسداء النصيحة لها بشكل ثنائي مع تشجيع الإصلاحات علنا من دون اتخاذ اجراءات عقابية، كل ذلك يدخل ضمن التوجه العام للسياسة الأميركية تجاه القاهرة، في الوقت الراهن. فهل هذا يشكل استجابةً كافية لأزمة، من هذا الحجم، يعانيها بلد بهذه الأهمية في المنطقة العربية؟ قد يكون الجواب الأوضح الذي يتبادر للذهن هو أن الاستراتيجية الحالية أفضل بكثير مما يتداوله عباقرة السياسة الخارجية في الحزب الجمهوري، لأن منع المساعدات الاقتصادية الى ان تجري مصر التغييرات السياسية التي يريدها الصندوق، ستضمن من الناحية العملية وقوع كارثة بحيث تجعل الحلول السياسية الوسط من آخر أولويات مصر. وبالنظر إلى سوء حظ مرسي ورد الفعل المرجح ضد الانتقاد العلني من واشنطن، فإن الانتقادات على الصعيد الخاص يمكن ان تكون اكثر فاعلية حالياً من الازدراء العلني.
"الإمارات اليوم"