بلا شك؛ فإن زيارة اوباما إلى المنطقة، وما يتعلق منها بزيارته للأردن، تعتبر تاريخية بكل المقاييس، كحدث مهم، وتحمل دلالات عميقة، لأهمية منطقتنا في السياسة الامريكية.
على مستوى الزيارة، في الجانب الاسرائيلي منها، واراضي السلطة الفلسطينية، لم تحمل أي جديد؛ فالانحياز الامريكي لإسرائيل، ظهر بهذه الزيارة، بأوضح الصور، حيث أكد الرئيس الامريكي، على الوقوف المطلق، إلى جانب الاسرائيليين، بكل أهدافهم وسياساتهم، سواء على مستوى مفهوم الدولة اليهودية، أو على حق اسرائيل، بما يسمونه «أمنهم»!، وبالتالي، إطلاق أيديهم، بما يريدون فعله، ضد الفلسطينيين، بهذا الجانب، كما أعطى شبه موافقة لنتنياهو، لضرب إيران متى قرر الاخير أيضا، بحجة الحفاظ على أمن اسرائيل، وبالتالي جاءت الزيارة، لتكريس الانحياز الامريكي للإسرائيليين، وكانت بمثابة فتح صفحة جديدة، اكثر اتساعا وسطورا، في العلاقات الامريكية الاسرائيلية. أما زيارته الخاطفة، إلى رام الله؛ فقد جاءت كجبر للخواطر، أكثر من أن تكون سياسية، وإن جامل أوباما الفلسطينيين، بذكره قصة الدولتين.
لا شك، أن اوباما، عندما حلَّق بطائرته، فوق الاراضي الفلسطينية، رأى بأم عينيه، ذلك الجدار البغيض العنصري، الذي مزَّق الارض الفلسطينية، وحرم الاخ، من زيارة أخيه، وقتل كل أمل بالحياة، على هذه الارض المنكوبة، ليس فقط بالعدوان الصهيوني، بل بالانحياز الامريكي، لهذا العدوان. ولا شك، أنه سمع عن الاضراب المفتوح، عن الطعام، للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، لكنه فقط، تذكَّر حق اسرائيل، في حفاظها على أمنها!!!!!!.
أما على الجانب الاردني؛ فإن مفارقات زيارة الرئيس الامريكي، إلى عمان، جاءت مختلفة، حيث اشارت الى دور الاردن المحوري في المنطقة؛ فالأردن بالنسبة للمجتمع الدولي وأمريكا، يعتبر ركنا أساسيا، في مسيرة أحداث الشرق الاوسط، حيث شكل الاردن تاريخيا، إضافة إلى ميزة ارتباطه الجغرافي بكل دول المنطقة، صوت الاعتدال الواثق، في كل الاحداث، التي عصفت بمنطقتنا، وهو من الدعاة الكبار تاريخيا، إلى حل أي نزاع، بالحوار وإعطاء الحقوق لأصحابها، وعلى رأسها الحقوق الفلسطينية، حيث كان الاردن وما زال، السند الحقيقي للفلسطينيين، في صراعهم مع الاسرائيليين، ويلعب دائما دورا محوريا، في أي قضية تبرز بالمنطقة؛ فعلى صعيد الازمة السورية، التي اندلعت منذ عامين، يشكل الاردن، عاملا مهما، في هذه الازمة، على الجانب الانساني، وعلى الجانب السياسي ايضا؛ فعلى الجانب السياسي، دعا الأردن، منذ اللحظة الاولى للأزمة، إلى الحوار بين السوريين أنفسهم، كما دعا النظام في دمشق، إلى نبذ العنف، والاستماع إلى مطالب شعبه، في الحرية والكرامة، وكان وما زال، ضد التدخل العسكري الأجنبي الخارجي في الازمة. أما على الجانب الانساني؛ فالأردن يتحمل العبء الأكبر، للنتائج السلبية للأزمة، على الشعب السوري؛ فهو يستقبل ما يزيد على نصف مليون سوري على أراضيه، متكفلا بكل حاجاتهم، الامر الذي شكل عبئا كبيرا، على موازنته المتعبة أصلا، مقابل مساعدات خجولة، تصل من دولة أجنبية وعربية، وبالتالي؛ فإن الاردن شكَّل للسوريين الفارِّين من النار والقتل، الملاذ الآمن، رغم صعوبة الظروف الاقتصادية الضاغطة عليه أصلا، وبهذا، دخل مُكرها، على خط الازمة السورية.
لقد شكّلت مسيرة السياسة المعتدلة للأردن، بقيادة الملك عبدالله الثاني، عامل قوة للمملكة، وعلامة فارقة، في منطقة غير مستقرة، وملتهبة تاريخياً، وعندما هبَّت رياح التغيير، على المنطقة، متمثلة بالربيع العربي، استند الملك، بتعامله مع المطالب الشعبية، على رصيد كبير، من السياسة الحكيمة والمنفتحة تاريخيا، على مواطنيه، حيث تمكّن الأردن، من عبور منعطف تاريخي مهم وصعب، الأمر الذي أكسبه احترام العالم، كما مكَّنه، من الحفاظ على وحدة شعبه وتلاحمه مع قيادته. وكما قال أوباما، إنه «في الوقت، الذي تمر به المنطقة، بالكثير من التغييرات؛ فإن جلالة الملك، عمل على توفير فرصة رائعة للأردن، لإظهار نموذجه للإصلاح، المستند إلى تطوير الحياة الحزبية، وتعزيز مبادئ الحاكمية الرشيدة والشفافية».
بالنتيجة، جاء اختيار أوباما، لتكون عمَّان، إحدى محطات زيارته التاريخية للمنطقة، كإشارة واضحة، أن الأردن، لا يزال يلعب دوراً مهماً وأساسيا -كما قلنا- بأحداث هذه المنطقة، بقيادة تعرف كيف تتعامل أولاً مع شعبها، ثم مع الأحداث المحيطة، بطريقة منفتحة، تحاكي المصالح العليا للوطن والأمة، بدرجة عالية، من المسؤولية، بأهمية الاستقرار في منطقتنا، التي يشكل الاستقرار فيها، عاملاً مهما، في السلم العالمي.
الدستور