الجيش العربي : من كرامة إلى أخرى
عادل حواتمة
23-03-2013 11:10 PM
الجيش الذي لا يقهر... هذه المقولة التي انتشرت أو التي رُوِج لها عن جيش الدفاع الاسرائيلي في أعقاب خسارة العرب ليس لفلسطين فحسب بل ولأجزاء من أراضيهم أيضاً في حزيران 67 يبدوأنها كرتونية ، حيث سادت أجواء الخيبة والهزيمة في المحيط العربي والإسلامي ككل. ولكن الإنسان العربي يختزن في دواخله طاقات متقدة ينتج عن تحفيزها تحقيق إنجازات ملحوظة على واقعه ومستقبله. فتم الحشد البشري على مستويين ، إحداهما شعبي حركي من أبناء فلسطين والمُنظمين لهم في إطارات حركة تحرير فلسطين وأخواتها. والآخر رسمي متمثلاً في تحضير عمل عسكري على مستوى الجيوش بدأت تخطط له كل من سوريا ومصر تكلل بنصر حرب أكتوبر 73.
إزداد العمل الفدائي على أرض فلسطين المحتلة بدعم وإسناد من الجيش العربي ، فارضاً نفسه كعنصر جديدة في معادلة الردع المحدود، على مستوى التأثير في أعداد المهاجرين اليهود الى فلسطين حيث إنخفضت أعدادهم بشكل ملحوظ مما دعا الإسرائيلين الى التفكير بالقضاء على النشاط الفدائي ومنطلقه والسيطرة على مرتفعات البلقاء كموقع استراتيجي يضبط الحدود، في ظل الإعتقاد السائد بالروح الإنهزامية التي تلف الواقع العربي المهزوم سيما وأن معركة الكرامة تأتي في أقل من عشرة أشهر على خسار العرب في حرب حزيران، ويشاع نتيجة التعجرف الصهيوني أن موشي دايان دعا الصحافيين في صباح ذلك اليوم الى شرب الشاي على مرتفعات البلقاء مساءً، إلا أن الدعوة لم يتم تأجيلها فحسب بل يبدو أنه تم إلغائها.
بدأت المعركة في صباح يوم الخميس 21/3/68 في الساعة الخامسة والنصف بهجوم إسرائيلي على ثلاث محاور رئيسة إضافة الى محور غور الصافي المقصود به التشتيت والتمويه ،حيث واجه الهجوم قوة إردنية مدمرة الى جانب بعض المقاومين العرب، تجلّت في القدرة على المواجهة في ظل تداعيات حرب حزيران على الجيش العربي ، فكانت الامور تسير بالطريقة غير المرغوب بها إسرائيليًا من خسارة الى أخرى وفي جو من الحماسة والشجاعة التي دافع بها الجيش العربي عن تراب الوطن و استمرت ست عشر ساعة. إنتصر الجيش العربي في المعركة وقدم ما يقرب من 85 شهيداً. وتوصف المعركة بأنها معركة دروع بإمتياز، حيث كان أكثر من 60% من الشهداء من وحدات الدروع والمدفعية ، في حين كان 90% من الشهداء هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم من (19- 29) سنة، وكان أكثر من 48% من الشهداء ضمن المنطقة الوسطى ذات القتال الأشرس لوجود قاعدة للفدائيين في منطقة الكرامة. بالمقابل فإن الهزيمة التي منيت بها إسرائيل كبيرة من حيث الهزيمة المعنوية والمادية. فلقد قالت وكالة اليونايتدبرس يوم 29/3/1986 بأن أحد المسؤلين الكبار في دولة كبرى ذكر لها" أن إسرائيل فقدت في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاث مرات ما فقدته في حرب حزيران عام 1967".
وفي المحطة التالية و بالرغم من محدودية دور الجيش العربي في حرب 73، إلا أن دوره كان كبيراً في المحافظة على الحدود السورية ، وحماية طريق دمشق التي كانت مفتوحة أمام الجيش الإسرائيلي فبدأت أولى معاركه يوم 16/ تشرين الأول الى جانب الفرقة المرعة /3 العراقية، ووصلت الفرقة المرعة الملكية /3 إستعداداً للهجوم المعاكس الشامل المزمع القيام به في 23/تشرين الأول ، وإلغى بقبول سوريا ل قرار مجلس الأمن تنفيذ الهجوم . واستمر وجود القوات الأردنية حتى بداية كانون الأول 73. قدم خلالها الجيش العربي 24 شهيداً .
وكما عبّر المغفور له الملك الحسين بن طلال في خطابه يوم تخريج الفوج الخامس من ضباط جامعة مؤتة 1992، عن تعدد ميادين البطولة "حين قال: حتى لا تسقط من ايدينا: السيف والكتاب والسنابل"تأتي الأدوار الأخرى غير القتالية التي يقدمها الجيش العربي في أرجاء العالم إيماناً بالدور الإنساني وتحقيق الأمن والإستقرار وتقديم شتى الخدمات الطبية من خلال المستشفيات الميدانية المتعددة فلقد وصلت القوات المسلحة الأردنية الى أكثر من "28" دولة عبر العالم، كان خلالها مثالاً لقوة الحق متمثلاُ بأقصى درجات الإلتزام العسكري.
وحالياً يقوم الجيش العربي منذ قيام الثورة السورية بأعمال بطولية لا تقل أهمية عن ميادين البطولة والشرف، فتأمين المُروعين وتأمين دخول و إيواء اللاجئين على طول الحدود الأردنية السورية عملاً يضاف الى سجل هذا الجيش العظيم ، فالوقوف في وجه الطاغوت والجبروت ضد الشعبي السوري تمثل بالتوجيهات العليا التي يتلقاها الجيش العربي من قيادته الهاشمية بضرورة الإمتثال الى مبادئ الأخوة والعروبة والإنسانية ، حيث تجاوزت أعداد اللاجئين النصف مليون. فكل الأعمال المصاحبة لهذا التدفق تستنزف جهداً ينبغي أن يكون على حدودنا الغربية بالأساس وتأمين الحدود الشمالية من أي جماعات تستهدف الداخل الأردني .
Adel.hawatmeh@gju.edu.jo