الكرامة في هيئة الأمم المتحدة
د.بكر خازر المجالي
23-03-2013 09:49 PM
كان ذلك في عام 1999م، حين التقيت الدكتور محمد الفرا مندوب الأردن الدائم لدى الأمم المتحدة خلال عامي 1967 و1968م، وشرح لي الحالة التي كان عليها كل المندوبين العرب في الأمم المتحدة بعد حرب حزيران، وقال لقد كنا ننزوي جانبا خاصة أنا والمندوب السوري الدكتور جورج طعمة والمندوب المصري ونجهش في البكاء ، وكان موقفنا ضعيفا ونعاني من تلك النظرات التي كان المندوبون الآخرون يرمقوننا بها ،وحين حضر جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه إلى الأمم المتحدة وألقى خطابا باسم كل الأمة العربية يدعو إلى السلام العادل وان الحرب مهما طالت لن تكون هي الحل، قال الفرا أننا بدأنا نشعر بمعنويات خاصة وأصبح لدينا ما يمكن أن نتحدث به ونحاور الآخرين.
وحين بلغتنا أخبار الهجوم على الأردن صباح الخميس 21 آذار 1968م ومن ثم نتيجة المعركة المشرفة وتحقيق الجيش العربي الأردني للانتصار الكبير، فقد كان هذا النصر في أروقة الأمم المتحدة نصرا عربيا وانتشى كل المندوبين العرب وتبدلت لغة الحوار التي هي أصبحت لغة المنتصر وبدأت أتلقى التهاني في هذا النصر الكبير ، وانتهت حالة الحزن واليأس والانزواء، وارتفع الصوت العربي في الجلسات، وطالبنا بإدانة إسرائيل فكان القرار رقم 248 بتاريخ24 آذار 1968م والذي تألف من خمس نقاط ونصت النقطة الثانية على إدانة إسرائيل بسبب هجومها الذي يشكل خرقا لميثاق الأمم المتحدة ولقرارات وقف إطلاق النار.
والقرار كان دمجا لمشروعي قرار قدمت الأول مجموعة الدول الافرواسيوية وهي الباكستان والسنغال والجزائر،والثاني هو المشروع الغربي الذي قدمته كل من بريطانيا والولايات المتحدة وكندا والدانمارك والبرازيل وباراجواي.
واحدث قرار الأمم المتحدة ردود فعل قوية، فقد كتبت صحيفة الاوماتنتيبه الفرنسية بتاريخ 26 آذار 1968م مقالا بعنوان ( إدانة وإنذار)وقالت فيه : ليست هذه الإدانة شكلية إذ انه يرافقها تهديد يشير إلى أن مجلس الأمن سيبحث بإجراءات أكثر فعالية تكون كفيلة بمنع تكرار هذه الأعمال.وكتبت جريدة لوموند الفرنسية بتاريخ 26 آذار أيضا تقول: وأنها المرة الرابعة منذ حرب حزيران 1967 يتبنى فيها مجلس الأمن قرارا بالإجماع في أعقاب الحوادث بين الإسرائيليين والعرب، ولكنها المرة الأولى التي يدين فيها المجلس إسرائيل مصرحا باسمها.
وبعد زيارة الدكتور الفرا في منزله أرشدني إلى منزل الدكتور جورج طعمة المندوب السوري في الأمم المتحدة حينها، فقمت بزيارته وهو يقيم في عمان وتحدث عن تلك الأيام وهو يقارن بين حالة حزيران وحالة الكرامة التي كرر حولها ما تفضل به الدكتور الفرا وقال أن الأردن كان مصدر الفخر لنا جميعا وكان النصر هو نصرنا جميعا وعشنا حالة وكأننا خرجنا من كابوس ثقيل.
هذه بعض من روح الكرامة التي سرت في كل العروق العربية، ففاضت دماء الشهداء فيها لتمسح كل آثار اليأس والقنوط ولتبعث في الأمة روح الانتصار والأمل ولتتغير لغة الخطاب الإعلامي عند العرب جميعا لتبدأ التعبير بلغة النصر والفوز ، ويبرز أدب الكرامة في صورة الشعر والنثر ورسم اللوحات وظهر في الأغنية وفوق خشبة المسرح ، ويكون نصر الكرامة فاتحا للذهن العربي الذي بدأ يعتقد جازما أن النصر هو ممكن ولا استحالة ولا مستحيل أمام الإرادة بمثل إرادة الجيش العربي الأردني وأمام التصميم والشجاعة بمثل شجاعة وتصميم الجيش العربي الأردني،
خمسة واربعون تمضي على نصر الجيش العربي الأردني في الكرامة، ولا زال حديث النصر يسري فينا، وسيبقى طالما أن العروبة في النفس والذات هي التي تسري وهي مبعث الواجب لنكون الأوفياء للتاريخ المجيد في زمن تتيه وتتخبط فيه بوصلة التوثيق وحفظ التاريخ.
خمسة واربعون عاما ولا زال ذكرى الكرامة في النفوس ،وينتصب صرحا لها في الشونة الجنوبية ونتطلع الى متحف ومجمع ثقافي وتاريخي للكرامة ليقرأ الشباب والجميع سيرة البطولة والشهادة للجنود الأردنيين ،ولنفي الكرامة حقها العلمي والتاريخي قبل ان تنمحي الذكرى وتُكتب بلغة أخرى .