الحج تجمع شعائري أم عقائدي
14-12-2007 02:00 AM
مع كل الظروف والمتغيرات، إلا أن التوجه الديني يزداد تلقائياً لدى الناس، ويتضاعف عند اقتراب الشعائر الدينية، مثل شهر رمضان، وشهر ذي الحجة، عند السُنة وعاشوراء عند الشيعة. بعد أيام قليلة سيقف عدد كبير جداً يقترب من الثلاثة ملايين، فوق جبل عرفة لتأدية فريضة الحج. هذا التجمع الإسلامي المليوني الأكبر يعطي صورة للتمسك الكبير للمسلمين بتطبيق الشعائر الدينية، سيما أن عبادة الحج تعتبر من أكثر العبادات صعوبة وكلفة، فهي تكلف على أقل مقدار الحاج من الأردن ما يزيد على الألف دينار، فيما تفشل أضعاف هذا العدد في الحصول على الموافقة بعد تحديد العدد المسموح به، وعدم تمكن الكثيرين من التوجه إلى السعودية بسبب صعوبات الكلفة والبعد لباقي دول العالم.
هذا التواجد الكبير، يعطي صورة واضحة بالعدد الهائل للمتمسكين بالإسلام، كباراً وصغاراً، وأن ما نسعى له من نشر وسطية دينية موجود، فلو قارنا عدد كل الحركات المتطرفة، والمنتسبين لها، لوجدناها في جميع دول العالم الإسلامي، لا تصل إلى الآلاف.
بالطبع من الصعوبة بمكان أن نصل إلى قياس حقيقي لربط هذا العدد الكبير من الحجاج بمدى التأثر الديني لدى الشعوب وذلك لغياب الدراسات العلمية الدقيقة حول "الحالة الدينية".
فلا توجد أرقام لعدد رواد المساجد أو المؤدين للعبادات الدينية، كما أن الجمعيات والأحزاب الإسلامية في كثير من الدول العربية والإسلامية محظورة وغير مرخصة ما يحول دون وجود إحصاءات رسمية أو علمية، على النقيض من الغرب.
بعض الدراسات "العلمية" يعتمد مؤشرات ساذجة وغير دقيقة لقياس الشعور الديني، كعدد المحجبات، كما فعل البعض لدراسة التوجه الديني في إحدى الجامعات العربية، فقام بإحصاء عدد المحجبات في تلك الجامعة ليكتشف فيما بعد أن الكثير منهن يرتدينه ضمن العادات والتقاليد، واكتشف الباحث أن كثيراً ممن يرتدين الحجاب لا يقمن بالشعائر الدينية الأخرى هذا من ناحية.
وقد تكون الفتاة، من ناحية أخرى، غير محجبة لكنها تلتزم بكثير من التعاليم والشعائر الدينية، وهذا ما يقاس أيضاً على عدم دلالة التواجد الكمي في عبادة الحج وعكسه على مناطق السكن الأصلية. الشعوب الإسلامية تلتزم بتطبيق الشعائر، لكنها تبتعد عن السياسة.
ويفضل كثير من الناس أن يكون التدين حالة فردية بعيداً عن المشكلات والأزمات العامة؛ بمعنى أنه أقرب إلى الجانب الروحي منه سياسياً أو مسيساً، وهذه الظاهرة العامة الممتدة لها إيجابيات وسلبيات، من إيجابياتها التخفيف من نزعة "تسييس الإسلام" أو استثمار الشعار الديني لأغراض شخصية، لكن سلبياتها أكثر وأخطرها تضاؤل مساحة القيم المشتركة العامة والمشاعر الجماعية بين أفراد الأمة الإسلامية.
على النقيض من عمليات "تسييس الدين" فإنّ "الحج" أصبح ذا ظلال روحانية خاصة فهو تجمع شعائري فقط مع أنه يتزامن منذ عشرات السنوات مع مفاصل خطرة في تاريخ الأمة الإسلامية، حتى خطبة عرفة التي تتم في جمع صلاة الظهر مع العصر تحتوي - في أكثر الأحيان- على الأمور البسيطة التي يعرفها عوام الناس ولا يتعرض فيها الخطيب لمصائب وقواصم المسلمين.
كاتب أردني
Omar-shaheen78@yahoo.com