تحديات الدولة والحراك في الأردن
د.مهند مبيضين
23-03-2013 01:07 PM
لم ينفك الأردنيون عن المطالبة بالإصلاح، مدن وشوارع وأبواب وزارات وشركات تستقبل المعتصمين أسبوعياً ضد الفساد والقوانيين الاقتصادية والمطالبة بالمزيد من الديمقراطية، وثمة شخصيات ما زالت في صنع القرار يشكل وجودها محفزاً للحراك الإصلاحي والدولة معاً، الحراك الذي عدّل الدستور ورفع شعارات غير مسبوقة واستجاب له الملك مراراً بحل مجلس النواب، وتشكلت من وراء مطالبه محكمة دستورية، وهيئة مستقلة للانتخابات وغير ذلك من القرارات، ما زال يطالب كل يوم بالمزيد، ويدعو لتخلص النظام من وجوه ...
والدولة التي خرجت من الحيرة واختبار البقاء في وجه التحديات، ولو بقرارت اقتصادية صعبة، تبدو مقبلة اليوم على ما هو أكثر، في ظل استمرار أزمة جارتها السورية شمالاً وتداعيات ثورتها ولاجئيها الذين فاقوا قدرات احتمال الدولة الأردنية، التي تتعمق جراحها الاقتصادية يومياً، وفي ذات الوقت يجادل النواب مع رئيس حكومة مكلف لتشكيل حكومته، على وقع الغضب الشعبي الذي يزداد منسوبه كل يوم بفعل عاملين:
أولهما عدم إيجاد حل لمشكلة البطالة في صفوف الشباب المتعلم، والتي تحاول مؤسسات مثل صندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية ووزارة العمل حلها، وثانيهما: ارتفاع منسوب الفقر، وتوالي كشف القضاء لحيثيات فساد جديدة، واستمرار الجدل على الخصخصة، وقانون الضريبة والضمان الاجتماعي.
من حيث الحلول، كانت الدولة جادة في الإصلاح، والمجتمع الذي انقسم حول شكل الإصلاح، استجاب لنداء الانتخابات ولكنه للأسف أنجب مجلساً نيابياً بدا ضعيفاً وهشاً، وللآن المجلس المنتحب للمرة السابعة عشر في تاريخ الأردن لم يختبر جدياً، وقد يكون اختبار الثقة على حكومة الدكتور عبدالله النسور، هو أول مظاهر التحسن.
وبيد نواب الأردن خياران، إما إسقاط الحكومة في معركة الثقة، وبالتالي إرضاء الشعب، وهو خيار قد يجعل هذا المجلـس استـثنائياً، لكنه مكلف وصعب المنال، أو أن أمامهم وجوب الأداء الرفيع، في المقبل من الأيام، خـاصة أن الـدولة تنتظر معركة رفع أسعار الكهرباء مطلع حزيران المقبل، وأسوأ الخيارات أن يكتفي المجلس بصفة شاهد وبالتالي يعود الشارع للمطالبة بحل البرلمان.
ومع ذلك، سيظل الناس ينظرون بغضب لإجراءات التسـكين التي تتبعها الدولة، فهي إما تقدم علـى اسـتيعاب الـحراك ورموزه بـصور متعددة، أو تـعين ممثلين عن الـمحافظات الغاضبة، خاصة في الجنوب، كوزراء وأعيان وأمناء عامين أو خلاف ذلك، وبالتالي تدخلها حضنها الحنون، وإما أن تمنح الوعود التي للأسف تتورط بها الدولة، فتظل تلك المناطق مرهونة بتهدئة الأصوات الغاضبة، وكلا الحلين لا يخدمان المستقبل.
خلاصة التجربة خلال عامين، تظل مقبولة، إذ ظهر فاعلون جدد في تمثيل مطالب الناس، وأوقفت أيدي الفاسدين، وزج بعضهم بالسجون، وتراجعت الثقة بأقلام بعض من كانوا بخدمتهم، حتى في مجلس النواب الجديد، فإن الحراك أوصل له ممثلين ، بضمه لعدد من رموز الاحتجاج الشعبي، وعلى رأسهم نقيب المعلمين الذي تعد نقابته أول انجازات ربيع الأردن، بالإضافة لأساتذة جامعات وممثلي حراك من بؤر الأطراف الساخنة، وهؤلاء برغم أن نسبتهم ضئيلة بين مئة وخمسين نائباً، إلا أنهم يمكن أن ينقذوا ماء وجه مجلس النواب، ويعبروا بالبلد في ظل تركها وحيدة من دون دعم عربي كاف. (الحياة اللندنية)