اقتصادات ما بعد "الربيع العربي"
حسن الشوبكي
23-03-2013 06:22 AM
منذ بدأت العمل في الصحافة الاقتصادية قبل 17 عاما، وأنا أقرأ ذات الأرقام والنسب والتحليلات الاقتصادية التي تسبق انعقاد أي قمة عربية سنويا، ومفادها أن حجم التجارة البينية العربية لا يتجاوز 10 % من إجمالي التجارة العربية، وأن معدلات هذه التجارة البينية لا تلبي طموحات المواطن العربي، وأن مقومات الأمة كبيرة، لكن بدون تكامل اقتصادي يحدث فرقا في الواقع المضني للمواطن.
ذات الأرقام الهزيلة تتكرر الآن رغم إبرام الدول العربية اتفاقيات فيما بينها للتجارة الحرة، ومثلها عشرات الاتفاقيات -التي تحظى بتغطيات إعلامية لا تستحقها- لتيسير التبادل التجاري وتجاوز الخلافات الاقتصادية، وصولاً إلى رفع منسوب التكامل الاقتصادي بين بلد وآخر. فالأوضاع لا تتغير، فيما يزيد ضنك الحياة وعسرها على المواطن العربي.
وقد كشفت احتجاجات "الربيع العربي" تشابها واسعا في سوء الحالة التي تمر بها الطبقات الفقيرة في بلادنا العربية، لأسباب ليست ذات صلة بالاتفاقيات التي لا تنفذ، وإنما بسبب نهب موارد الدول وسوء إدارة الدولة، ضمن عنوان أكبر هو الفساد الذي يُعدّ عين الأزمة الاقتصادية من حولنا، وسببها الرئيس.
وإذا اعتبرنا أن ثورات الربيع العربي قد تحتاج سنوات كي تستقر بعدها الدول وترسي الديمقراطية، فإن رفع نسب التبادل التجاري والحالة هذه يمسي أمرا صعبا. فقد كان غائبا أو شبه غائب في السنوات والعقود الماضية، وهو اليوم أكثر صعوبة بالنظر إلى التحديات التي تواجه كل دولة على حدة. وفي تقديري أن الذهاب إلى مأسسة مفاهيم الشفافية والنزاهة على مستوى كل دولة، أكثر جدوى من إعادة إنتاج حديث التجارة البينية، والعلاقات التي تحتاج سنوات حتى تتحقق بنسختها الجديدة.
من المفيد أن تتناول الاجتماعات الاقتصادية التمهيدية للقمة العربية المقبلة في الدوحة، بناء أسس النزاهة ونشر أفكار الحاكمية الرشيدة عربيا في مؤسسات القطاعين العام والخاص، تمهيدا لمكافحة الفساد، واجتثاث جذوره. وليأتي بعد ذلك ملف انتقال رؤوس الأموال على قاعدة مقنعة بالنسبة للمستثمرين الذين يعايشون فترة قاسية حاليا، ضمن ما يمكن تسميته حالة عدم اليقين في المحيط العربي، استنادا إلى أن المنطقة لم تمر بهكذا تحولات بنيوية منذ تأسست الدول العربية عقب الحقبة الاستعمارية.
ولا أعتقد أن ثمة مشكلة في توفر الفوائض المالية ضمن المنطقة العربية، ولكن سهولة ومرونة انتقال تلك الرساميل محل شك. وحسابات المستثمرين باتت أكثر حدة وأقل مخاطرة، ما يجعل التأسيس لمعالجة ملف انتقال الأموال بين الدول العربية أمرا ملحا، يستدعي المناقشة في أروقة القمة، بحثا عن حلول تساعد في أن تكون التشريعات حامية لتلك الأموال، أملا في تحريك الأسواق العربية التي شهدت فترات ركود خطيرة منذ نحو خمس سنوات.
العقبات بين الدول العربية ما تزال قائمة، وهي متعددة ويصعب حصرها؛ فلا تقف عند سؤال الإرادة السياسية، بل تتعداه إلى غياب التفعيل الحقيقي لاتفاقيات التعاون الجمركي والضريبي، ما يجعل الوصول إلى مضامين فاعلة في منطقة التجارة العربية الكبرى أمرا محل شك.
أدوات مرحلة ما قبل "الربيع العربي" لا مكان لها اليوم. وأصوات الاحتجاج المستمرة حتى اليوم، تحتاج أسلوب عمل مختلفا. والمأمول من قمة الدوحة أن تعزز من استفادة الدول العربية من الدروس التي تعلمها الجميع في العامين الماضيين، وأولها أن جذر الفساد يجب قطعه، وأن إدارة الدول يجب أن تتغير في ظل تشريعات أكثر ديناميكية، وأن الإنسان العربي هو أداة التنمية وهدفها، لا أن يكون متحملا فقط لعقود من التجريب والفساد والنهب.
hassan.shobaki@alghad.jo
الغد