علاقة حية بكرامة ميتة *سناء ابو شرار
22-03-2013 09:17 PM
نحن لا نحاول إبقاء رمق الحياة في أجسادنا فقط ولكن بعلاقاتنا أيضاً ، خصوصاً حين تكون تلك العلاقة على شفا الموت في كل لحظة وما يبقيها على قيد الحياة هو قتل الكرامة في كل يوم . بعض العلاقات تستمر بهذه الصورة لسنوات ، علاقات مُدمرة ، مريضة ، سقيمة ولكنها لابد أن تستمر ، بعض هذه العلاقات تستمر لعدم وجود خيار آخر فيلتصق الشخص بالآخر لأنه مضطر لذلك خصوصاً بالنسبة لامرأة لا تجد مكان آخر تذهب إليه أو لرجل لا يمتلك المقومات المادية لتغيير حياته ، فيكون الخيار الوحيد هو البقاء مع كرامة ميتة أو بالأحرى مقتولة .
هذه العلاقات يمكن تسميتها دون مبالغة بعلاقات قسرية لأنها لابد أن تكون ولأن الظروف تفرضها تماماً مثل قرار حكم قطعي ، ولكن التساؤل المر يثور حول علاقات يمتلك من تُمتهن كرامته أن يثور لهذه الكرامة ويقول كفى وينسحب دفاعاً عن وجوده النفسي والعقلي وليس الجسدي . لأن الدفاع عن النفس لا يكون جسدياً فقط ، إنها علاقات مريضة ومُدمرة لأن المشكلة بها ليست هدر الكرامة بل لأن الضحية بهذه العلاقة يمارس الإضطهاد ضد نفسه ببقاءه بهذه العلاقة ، لأنه ببساطة يخاف أن يتركها ويعتقد بأنها خياره الوحيد ، فيمكث بها على أمل أن يستعيد كرامته المهدورة ولو بعد زمن ولا يدرك أن الكرامة المهدورة على مر الأيام والسنوات تُضعف العقل والروح فلا يصبح لديه حتى القدرة على إتخاذ القرار يإنقاذ نفسه ؛ ولا يدرك بأن استرداد الكرامة يعني استرداد كل جزء من العلاقة فإن لم ينجح باسترداد كرامته في العلاقة فحتماً سيسترد تقديره لذاته والذي هو أهم من تقدير الآخر.
في زمننا المعاصر ، نعتقد وللأسف بأن قوة الانسان تكمن فيما يمتلك من ماديات ، ولكن الحقيقة هي أن قوته تكمن فيما يتحصن به من أفكار ومفاهيم حول ذاته بالدرجة الأولى ، ونحن في مجتمعنا العربي لم يتم تربيتنا على إعلاء قيمة الذات ، تم تربيتنا على شيء من التكبر بالإعتداد بالذات ولكن ليس إعلاء قيمة الذات ، لأننا ربينا أولادنا خصوصاُ خلال الثلاثين عاماً الأخيرة على أن قيمة الانسان هي فيما يملك ، فتم إهمال تأسيس الذات لدى النفس العربية ، لذا نُقيّم أنفسنا دائماً إرادياً أو لا إرادياً بما نملك أو لا نملك ، وحين نتحدث عن البناء الذاتي الداخلي قد يسود الصمت لأننا لا نعلم تماماً ما المقصود بذلك .
البناء الذاتي الداخلي هو كل ما دعا إليه انبياء الله تعالى بأن قيمة الانسان بإنسانيته ، برحمته ، بتواضعه بعطفه ، بحبه لله وللآخر مهما كانت جنسيته أو حتى دينه ، وبحفظ كرامة الانسان الذي خلقه الله تعالى بأحسن تقويم . إعلاء قيمة الذات هو الإدراك بأن لذات كل منا خط أحمر لا يجب أن يقترب منه أحد وهو خط الكرامة ، فإن لم يستطيع من تعيش معه أن يحترم حدود هذا الخط فلابد أن تنسحب أن قبل أن يدخل بمساحة الممنوع من ذاتك .
يمكن للعلاقة دون كرامة أن تستمر ولكنها تصبح علاقة سامة يحمل كل طرف منها الكره للآخر ولابد أن يأتي دور الإنتقام لاحقاً سواء أكان إنتقام صريح أو ضمني ، لأن سنة الله في الوجود أن يُعاقب الظالم ، وكيفية عقابه تتنوع بحسب مشيئته بحكمته وإرادته .
والأسوء من الضحية في علاقة سامة هو من يضع السم ، ومن أستعمل قوته في الحياة لهدر كرامة من حوله والتمتع بألمه . مثلما يرتقي الانسان في أفكاره ومشاعره فهو أيضاً قد يتدنى بهذه الأفكار والمشاعر ، وظلم الآخر وهدر كرامته مع العلم بضعفه هي الوجه الخبيث لانسانية مشوهه وعقيمة.
* روائية ومحامية اردنية