لقد شاهد العالم تطورات تكنولوجية كبيرة جدا ومتزايدة بعد الحرب العالمية الثانية. خاصة بعد استخدام القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما في اليابان. وكان معظم ذلك التطور التكنولوجي نتيجة للأبحاث الممولة من قبل الميزانيات الدفاعية في الدول الصناعية المتقدمة. وكان قسم كبير من تلك الأبحاث يجري في شبكة من المختبرات الحكومية. وفي كلتا الحالتين كانت نتائج الأبحاث تجد طريقها إلى القطاع المدني ومؤسساته العامة والخاصة للاستفادة منها في الشؤون المدنية غير الدفاعية. وهكذا استفادت الدول التي شجعت الأبحاث التكنولوجية أو تبنتها ، في وجود رديف لها يساندها في أبحاثها. ومع مرور الزمن وازدياد مساحة الأبحاث وتعدد أهدافها ، تحولت معظم مهمات الأبحاث التكنولوجية إلى القطاع الخاص ، مما أدى إلى تخفيض الميزانيات الدفاعية في هذا المجال.
وتبدو هذه النقلة في أبحاث المختبرات التكنولوجية واضحة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأجهزة الإلكترونية حيث ارتفع معدل التقدم والاختراع من قبل الاقتصاد العالمي الذي يزداد اعتماده زيادة كبيرة على المعارف والمعلومات والاتصالات والشؤون الدفاعية. وكان للتقدم الذي أحرزه القطاع المدني تأثيرا كبيرا على أنظمة القيادة ؛ والسيطرة ؛ والاتصالات ، والاستخبارات. وستكون له تأثيرات كبيرة على أنظمة الأسلحة الحديثة ، مثل : قذف القنابل من الطائرات بدقة تكاد لا تصدق من مسافات بعيدة ، كما شاهدنا بدايتها في حرب الخليج ، وفي تدخل قوات حلف الأطلسي في كوزوفو، وفي حرب العراق الثانية.
ويشاهد مجال دفاعي آخر تقدما تكنولوجيا وبيولوجيا ؛ خاصة في ميدان الدفاع البيولوجي والكيماوي ؛ والفعاليات الإنسانية ، والعلاج الطبي ، والجينات المعدلة. وقد تحولت تطورات المركبات الفضائية التي كانت تهيمن عليها الحكومات، خاصة الولايات المتحدة وروسيا إلى القطاع المدني التجاري في خدمة أمم ومنظمات عديدة.
وعلى الصعيد الدولي ، مع أن الولايات المتحدة الأمريكية لا زالت المركز الرئيسي الأهم للأبحاث التكنولوجية ، تليها بريطانيا وأوروبا وروسيا ، دخلت اليابان والهند والصين وباكستان مجال الأبحاث التكنولوجية ، وهي مرشحة لاحتلال مكانة مرموقة في إنتاجها. أما الدول العربية فلا زالت في موقف استهلاك نتائج الأبحاث التكنوولوجية ، بدون أي تقدم يذكر نحو موقف إجراء الأبحاث فيها.
ولكن البحث التكنولوجي ليس رخيص الكلفة. وقد ارتفع الإنفاق عليه إلى مستوى خمسين بليون جنيه في السنة ، مما جعل الإنفاق الحكومي والدفاعي قليلا بالمقارنة. وبالرغم من ذلك تبقى الكثير من الأبحاث التكنولوجية موجهة إلى التكنولوجيا الدفاعية، أو لها علاقة بها، مثل : تطوير الطائرات المقاتلة ؛ وأجهزة الحرب الإلكترونية؛ والأسلحة الموجهة الدقيقة ؛ والمركبات ؛ والدروع ؛ والمدافع ؛ وأنظمة الحماية ؛ وهي لن تتقدم إلا بأبحاث مختصة معينة للشؤون الدفاعية.
إن الاعتماد الكلي من قبل الدول النامية ، ومنها جميع الدول العربية على ما تنتجه الدول الصناعية المتقدمة : أمريكا ، أوروبا ، بريطانيا ، اليابان ، والصين ، يجعل تلك الدول عرضة للانقياد ، حتى بشأن أهم مصادر قوتها الطبيعية ، إلى حاجاتها الماسة التي تشتريها بثمن باهظ من الدول التكنولوجية الصناعية. ولذلك لا بد لها من اتخاذ موقف استراتيجي في هذا الميدان يؤمن لها البدء في استغلال العقول العربية الماهرة وتنميتها وتشغيلها في مجال البحث التكنولوجي . وإلا ستبقى تلهث خلف الدول الصناعية المتقدمة دون تقدم خطوة تكنولوجية واحدة إلى الأمام.
لقد ازداد مستوى توفر التكنولوجيا للعديد من الدول ، بسبب توفر الأسلحة والأجهزة الإلكترونية الحديثة عن طريق الشراء ، مثل دول الخليج العربي والعربية السعودية والأردن. وتعتبر مقدرة الطاقة البشرية على استخدام تلك الأسلحة والأجهزة وصيانتها وتصليحها والمحافظة عليها خطوات مهمة إلى الأمام الذي نصبو إليه في التعايش معها. كما أن ازدياد التعامل مع شبكات الإنترنيت في المجالين العسكري والمدني قد أدى إلى الحصول على وسائل ليست غالية الثمن للاتصال بين الأنظمة الإلكترونية ، ومصادر المعلومات والعلوم. كما يعتبر إدخال الأجيال الشابة في هذا الميدان المهم خطوة أخرى لها فوائد دفاعية ، وتجارية ، وعلمية ، وتكنولوجية. وغني عن الذكر أن بعض الدول العربية مثل: السعودية ، الكويت ، الأردن ، مثلا ، أصبحت قادرة على تجميع أجهزة الحاسوب " الكومبيوتر" ويبقى أن تصنعها لتدخل حقا في عصر التكنولوجيا الحديثة بمكانة تستحقها.
الواضح أن قوة الحاسوب " الكومبيوتر" واتساع فعالياته خاصة في مجال الأسلحة والأجهزة الحديثة ؛ والاتصالات ؛ والمعلومات ؛ والعمليات؛ والإجراءات ؛ سواء الدفاعية أو المضادة تزداد بتسارع كبير. ولا تعني زيادة القوة في هذا المجال القيام بأي مهمة ، أو عملية ، أو إجراء بوقت أسرع قد يصبح آنيا وحسب ؛ بل تعني أيضا في محاولات اكتشاف تكنولوجيا جديدة تعتبر حتى شبه مستحيلة؛ مثل: تمييز الطائرات المعادية دون رؤيتها ، وعلى مسافات أبعد من الحالية ؛ ومثل تحصين أمن المعلومات والاتصالات بواسطة شيفرة جديدة لا تحل إلا من قبل مرسلها أو مستقبلها.
ولا يستثنى من التقدم التكنولوجي قوة الدفع أو قوة المحرك النفاث وغير النفاث ومولدات الطاقة الكهربائية . وستحدث في هذا المجال قريبا تطورات تكنولوجية باهرة وتقدم كبير ؛ خاصة في المولدات الشمسية ، وخزن الطاقة بقوة ولمدد أطول.
لا تزال أنظمة البيونيك ، والأجهزة الإلكترونية المباشرة وغير المباشرة لتحسين وتطوير العقل الإلكتروني في مراحلها المتوسطة تقريبا. وقد تتطور إلى استخدام المعلومات والعلوم من أجل تقديم الوصفات الطبية الوقائية والعلاجية للإنسان والحيوان والبيئة. وإذا استمر التقدم التكنولوجي على السرعة والبراعة التي شاهدها العالم خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ، فستكون النتائج مذهلة ومدهشة للدول النامية لدرجة لن تعرف عندها ما يحيط بها في الدول المتقدمة. ولهذا يعتبر التقدم التكنولوجي والإلكتروني من أهم عناصر استراتيجية الدولة الحديثة.