بحث الحصانة بصورة شاملة بحاجة الى كتيب لا مجال له في المعالجة، فهدف هذه المقالة هو البحث في مدلول زمن الحصانة الاجرائية ونطاقها دون غيرها، لما كان لهذا المضوع من نقاش وخلاف في وجهات النظر في اروقة المحاكم أو المحامين أو الاكاديميين.
فقد قام التساؤل حول حصانة النواب الذين فازوا بالانتخاب, وهم ما زالوا تحت طائلة الاتهام بقضايا جزائية. هل الحصانة الاجرائية المؤقتة التي نصت عليها المادة 86 من الدستور, تشمل التهم التي نسبت اليهم قبل دخولهم مجلس النواب, وبالتالي يتعين عدم محكوميتهم خلال مدة اجتماع المجلس, أم أن تلك التهم غير مشمولة بتلك الحصانة, لانها وجهت اليهم قبل انتخابهم وعليه فلا مانع من محاكمتهم خلال مدة انعقاد المجلس؟
تنص المادة 1/ 86 من الدستور على ما يلي:
«لا يوقف أحد أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه أو لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه في حالة التلبس.. الخ». لا خلاف على ان هذه الحصانة تشمل مدة اجتماع المجلس, وهي الفترة الواقعة بين تاريخ الارادة الملكية بدعوة المجلس للاجتماع, وتاريخ الارادة الملكية بفض الدورة. ومن عمومية النص, يفهم أن الدورة تشمل الدورات العادية والدورات الاستثنائية. وعليه, فاذا حدث الاتهام في اثناء مدة اجتماع المجلس, فلا خلاف حول الامتناع عن محاكمة العضو, ويستمر الوضع كذلك حتى يقوم شرط من شروط ايقاف الحصانة. ولكن ما الوضع اذا بدأت اجراءات محاكمة العضو قبل مدة اجتماع المجلس, واستمرت حتى بدء اجتماع المجلس, هل يمكن ان تستمر المحاكمة أم يجب ايقافها؟
نقول نظراً لعمومية واطلاق النص, لا بد من اعمال الحصانة وتوقيف اجراءات المحاكمة, وبعكس ذلك, فإن استمرارها يعني اجراء جزء منها خلال مدة اجتماع المجلس, وهو ما يتعارض مع صراحة النص من جهة, كما يتعارض مع علة الحصانة, التي قصد بها اعطاء عضو البرلمان حرية تمكنه من اداء عمله من جهة اخرى.
والوضع في الفقرة السابقة ينطبق على عضو البرلمان الذي بدأت اجراءات المحاكمة ضده قبل ان يصبح عضواً, واستمرت حتى دخوله البرلمان, اذ يتعين ايقاف المحاكمة فوراً, أو ايقاف الحصانة, بأخذ الاذن من المجلس لكي تستمر المحاكمة, او الانتظار حتى انتهاء مدة اجتماع المجلس, ومن ثم البدء باجراء المحاكمة.
قال بعض الزملاء الافاضل ان عضو البرلمان لا يجب أن يتمتع بالحصانة الاجرائية بالنسبة للاعمال الجرمية المنسوبة اليه قبل تمتعه بالعضوية, وبالتالي لا ضير من استمرار محاكمته حتى في ظل مدة اجتماع المجلس.
وهذا الرأي لا يستقيم مع الواقع للاسباب التالية:
اولاً: أن القول ان نص المادة 86 من الدستور, وهي التي قررت الحصانة الاجرائية, لا يشمل الافعال السابقة على العضوية, هو قول وتفسير لا يستقيم مع دلالة النص, وهو تحميل للنص بما لا يحتمل, اذ كيف لنا أن نقول ان النص يستثني التهم السابقة على العضوية, وهو لم يقل ذلك, ولا يفهم من انه قصد هذا الاستثناء.
ثانياً: ان النص جاء مطلقاً والمطلق يجري على اطلاقه, فلم يفرق بين تهمة سابقة على العضوية, وتهمة اثناء العضوية, وكل ما قصده الشارع التأسيسي ان يمنع اتخاذ اية اجراءات جزائية ضد العضو خلال مدة انعقاد المجلس, اللهم الا اذا انتفت الحصانة, باستئذان المجلس, او حالة الجرم المشهود, أو انتهاء مدة الانعقاد.
ان استخدام المشرّع التأسيسي عبارات مثل «لا يوقف» «ولا يحاكم» تفيد المعنى الذي تذهب اليه، فهي تعبيرات عامة تتسع لجميع الاجراءات التي تنشأ عن اية جريمة، سواء ارتكبت في اثناء العضوية او قبلها.
ثالثاً: ان محاكمة عضو البرلمان خلال مدة اجتماع المجلس على تهمة سابقة على العضوية، يتعارض مع علة الحصانة البرلمانية، والعلة هي تمكين عضو البرلمان من القيام بأداء واجبه بحرية واستقلالية، باعتباره يمارس سلطة نيابة عن الأمة، وهذا يعني عدم انتزاع العضو من مقعده في البرلمان ليمثل امام محكمة جزائية، ولأي سبب من الأسباب.
رابعاً: لو اراد المشرع التأسيسي استثناء الافعال الجرمية التي سبقت العضوية من الحصانة الجزائية، لما عاقه اي سبب عن ذكرها، والشيء بالشيء يذكر، لماذا استثنى المشرع حالة الجرم المشهود من الحصانة؟ ولماذا ذكر ان الحصانة تزول عن العضو في حالة الحصول على اذن المجلس؟ وفي هذه الجزئية بالذات، ارغب ان احيل المتهمين الى رأي اثنين من الكتاب القانونيين الاردنيين.
القاضي الاستاذ فاروق الكيلاني في كتابه «محاضرات في قانون اصول المحاكمات الجزائية، الاردني والمقارن، الجزء الأول صفحة 273» قال ما يلي: «واذا كانت النيابة العامة، باشرت تحريك الدعوى الجزائية ضد احد الاشخاص قبل ان ينتخب عضواً في المجلس، فانه يجب وقف هذه الاجراءات بعد ان اصبح هذا الشخص عضواً ريثما تحصل على اذن من المجلس».
الاستاذ الدكتور كامل السعيد قال في كتابه «شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية، دار الثقافة 2010 صفحة 116» «حكم الحصانة من حديث الزمن.. واذا بدأت الاجراءات خلال المدة التي لا يكون فيها المجلس مجتمعاً ثم استمرت بعد بدء دور انعقاد المجلس تعيّن الاستئذان، اذ ان استمرارها يعني اتخاذ بعضها اثناء دورة الانعقاد، وكذلك اذا بدأت قبل انتخابه عضواً واستمرت بعد انتخابه يتعين الاستئذان ايضاً».
بقي ان نقول ان الحصانة البرلمانية تزول بتوافر احد اسباب ثلاثة، هي حالة الجرم المشهود وحالة صدور اذن من المجلس، وحالة انتهاء ادوار الانعقاد، وفي هذا كلام كثير نعود اليه في بحث واسع ومفصل يعالج موضوع الحصانة البرلمانية بكل ابعادها ومحاورها.
ألفّ في القانون الدستوري (القانون الدستوري والنظام السياسي الأردني 850 صفحة)
"الرأي"