اوباما .. الحليف المتين .. *د.محمد علي الزعبي
mohammad
19-03-2013 04:08 AM
لن يقدم الرئيس اوباما اية مبادرة جديدة للسلام في الشرق الاوسط خلال الثلاثة ايام التي سيقضيها في المنطقة بدءاً من الاربعاء القادم 20/3... هذا ما صرح به الناطق باسم البيت الابيض (جي كارني) في 20/2 الشهر الماضي وهذا ماعاد وأكده نائبه (بن رودوس) الخميس الماضي: (لقد كنا في غاية الوضوح، هذه الزيارة ليست حول تقديم مبادرة جديدة او استكمالاً لأية جهود سابقة)... وفي كلام مشابه يقول (حاييم ملكا) الكاتب في صحيفة كروس رودز الامريكية: (هذه الزيارة- اي زيارة اوباما- هي حول إدارة مشاكل الشرق الاوسط وليست حول حلها) وكما قال الباحث الامريكي جيمس زغبي في صحيفة (ميدل ايست اون لاين): (لايوجد بالافق خطوات جريئة من واشنطن لان اسرائيل ستعارضها والفلسطينيون لن يستطيعوا التعامل معها والكونجرس لن يؤيدها). وكان المتحدث باسم البيت الابيض جي كارني في معرض رده على احد الصحفيين اثناء المؤتمر الصحفي حول زيارة اوباما الذي عقده الشهر الماضي قد اشار ... ( ان الرئيس اوباما ليس بحاجة لزيارة المنطقة لبحث عملية السلام في الوقت الذي بامكانه دعوة اي من زعماء المنطقة الى امريكا في حال اراد بحث اية مستجدات في هذا الصدد).
في حقيقة الامر فان زيارة اوباما لاسرائيل والمنطقة هي لاسباب داخلية امريكية بحته ستمهد لسلسة من الاجراءات سيبدأ بتنفيذها اوباما فور عودته الى البيت الابيض قد يكون على رأسها تقليص المساعدات الاقتصادية الامريكية لاسرائيل بحجة الوضع الاقتصادي الامريكي المتدهور.
لقد سبق اوباما لاسرائيل ثلاثة من الجمهوريين اللذين يعتزمون الترشح للرئاسة الامريكية في 2016 هم السيناتور عن فلوريدا (ماركو روبيو) وكذلك حاكم فرجينيا (بوب ماكدونال) وحاكم نيوجيرسي (كريس كريستي) وكان اليمين الاسرائيلي بزعامة نتينياهو قد لعب بقوة ووضوح في الانتخابات الامريكية الاخيرة لصالح الجمهوريين ومرشحهم السابق (مت رومني) واستطاعوا تشديد الطوق على اوباما لم يتجاوزه الا بشق الانفس ولازال يعاني من تاثيراته السلبية داخل الكونجرس الامريكي في كولسات ضد سياساته الداخلية وكذلك اثناء تسميته لوزير الدفاع ووزير الخارجية.
وقد رأى اوباما ان ينقل المعركة الى الداخل الاسرائيلي مستشعراً ضعف الائتلاف الحكومي الاسرائيلي بزعامة نتينياهو. كما ان اوباما يجد ان الفرصة مواتيه الان للتحدث مباشرة للشعب الاسرائيلي بعد الاحتجاجات الشعبية الاخيرة في شوارع تل ابيب التي سبقت الانتخابات والتي كانت تنادي بمدنية دولة اسرائيل واستبعاد سطوة المتدينين اليمينين وفي هذا الصدد سيبدي اوباما دعمه لحركة (ييش اتيد/المستقبل) التي تلاقي شعبية متنامية داخل الشارع الاسرائيلي وجاءت في المرتبة الثانية في الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة ب (19 مقعد) رغم حداثة تاسيسها منذ سنتين بعد ان حظي زعيمها والمذيع السابق في التلفزيون الاسرائيلي (يائير ليبيد) بتاييد الطبقة الوسطى المثقفة في اسرائيل. وهذا قد يفسر نية اوباما بعدم مخاطبته الكنيسيت الاسرائيلي بل التوجه بخطاب مباشر الى الجمهور الاسرائيلي في مركز المؤتمرات في القدس على غرار خطابه الشهير في جامعة القاهرة في زيارته الاولى للمنطقة التي سبقت الربيع العربي ومهدت له.
وعند وصوله الاردن الجمعة فان الشأن السوري سيكون شعار زيارة اوباما حيث سبق وابدت الادارة الاميريكية ارتياحها لانجازات الملك (عبد الله الثاني) في هذا الصدد واستحداثه طاولة افتراضية مستديرة عبر رحلاته المكوكية بين موسكو وتركيا وبعض دول المنطقة المؤثرة، ورغم ان اوباما في صورة كل تلك الجهود اولا باول عبر القنوات الدبلوماسية الاردنية/الاميريكية او الاتصال المباشر الا ان تسليط الضوء على هذه الزاوية اعلامياً لدى الداخل الامريكي قد يفيده في معركته امام الكونجرس الذي لا زالت بعض اقطابه تدفع نحو تدخل عسكري مباشر في سوريا ونحو ضربة جوية لايران كالسيناتور (جون ماكين) والوزير الحالي للخارجية الاميريكية (جون كيري).
الا ان اكثر ما سيكون حاضراً في محادثاته مع الملك عبد الله الثاني خلف الابواب المغلقة هو تكثيف الجهود الامنية الاردنية التي ثبتت فعاليتها في منع الارهاب والطلب بتوسيع هذه الجهود لحماية الدبلوماسيين والمستشارين الاميركين في المنطقة لتفادي تكرار حادثة (بنغازي) التي كادت تطيح بفرص اوباما للوصول الى البيت الابيض ولا زالت تشكل جرحاً نازفاً لادارته كانت هيلاري كلينتون اخر ضحاياه.
اما على صعيد الحركة الاسلامية في الاردن فقد تبلورت مؤخراً قناعة لدى ادارة البيت الابيض بضعفها وعدم احقيتها في احداث اية تغييرات تمس الحكم في الاردن برغم الجهود الحثيثة غير المباشرة التي قدمتها السفارة الاميريكية بعمان لتيار الصقور التي تغلب عليه الصبغة الفلسطينية وصلت حد التنسيق المباشر بحسب جريدة الدستور (30-9-2012) التي تحدثت عن اجتماع السفير الامريكي بعمان (ستيوارت جونز) مع بعض قادة الحركة الاسلامية في منزل (اسحق الفرحان) اثناء تنسيقه مع الحركة لجعلها تتوافق مع المعايير الاميريكية الجديدة للثورات الشعبية والتي اعلنها اوباما في خطابه الشهير في جامعة القاهرة 2009: (اننا لا نسعى لاحداث تغييرات في المنطقة ولكننا لن نتوقف عن دعم تطلعات الشعوب في حكم نفسها). وكان هذا بمثابة اشارة البدء حيث عملت بعدها كافة السفارات الامريكية في المنطقة على تحفيز التغيير لتحقيق نبوءة اوباما في (البداية الجديدة) للمنطقة كما سمى خطابه انذاك.
على مدى عقود ادت الدبلوماسية الاردنية خدمات مهمة للسياسة الخارجية الامريكية في المنطقة وفي العالم ودفع الاردنيون اثماناً باهظة لصراعات كثيرة في المنطقة لم يكونوا طرفاً في اغلبها واستقبلوا هجرات قسرية متكررة لكثير من سكان المنطقة بدءا من الهجرات الفلسطينية من داخل فلسطين ومن دول الجوار ومرورا بالهجرات العراقية وليس انتهاءا بالهجرات السورية اليومية.
ولقد لازمت الراية الاردنية الراية الامريكية في كثير من بؤر الصراع حول العالم وقدم الاردن خدمات قد تبدو متواضعه لكنها كانت مفصلية في كثير من الاحيان كما هو الحال في الحرب الامريكية الاخيرة على الارهاب والقاعدة في العراق وافغانستان. وبرغم المساعدات الضئيلة التي تقدمها امريكا للاردن مقارنة بالمساعدات السخية لاسرائيل فلقد اثبت الاردن بامكاناته المتواضعة افضلية اكبر على ما تقدمه اسرائيل من خدمات للسياسة الخارجية الامريكية التي يكاد دورها ينحصر حكماً في تضخيم مستوردات الدول العربية الغنية من الاسلحة الامريكية في مقابل ما يسمى (البعبع الاسرائيلي). وعدا ذلك فلم يسجل لاسرائيل اي دور في دعم سياسات امريكا الخارجية بل وانها لا تتوانى عن التأثير السلبي في الداخل الامريكي واستنزاف دافع الضرائب الامريكي والابتزاز الانتخابي والاعلامي لكل مرشحي الادارة الامريكية على كل مستوياتها بشكل اصبح ملازما لكل عملية انتخابية امريكية ولو كانت انتخابات لمجلس اباء في مدرسة حكومية. وصار الامريكيون يتبرمون من هذا الدور واوباما من ضمنهم، ولن يفلح تملق نتينياهو السطحي واطلاقه اسم (الحليف المتين/ برت اميم) على الزيارة المنتظرة لاوباما في تغيير هذه النظرة.
ان الدعم الاقتصادي للاردن الذي تلوح به الادارة الامريكية والذي سيعلنه اوباما اثناء زيارته الجمعة سيبقى شكلياً بسبب الظروف الاقتصادية قي امريكا، وفي غالبه سيكون مساعدات عينية يغلب عليها الطابع العسكري ولن يمس احتياجات المواطن الاردني مباشرة او يفيد في تنمية المناطق المهمشة. لكن على الاردن ان يركز اكثر في مفاوضاته مع الوفد الامريكي على الحصول على اعتراف امريكي اكثر وضوحاً بدور الاردن بالمنطقة والسماح للدبوماسية الاردنية بالتحرك بحرية اكبر في ملف العلاقات الاردنية/ الايرانية حيث من الممكن ان يقوم الملك عبد الله الثاني بزيارة طهران كما زار موسكو لان ذلك سيساعد في حلحلة الشأن العراقي وسيساعد في الحل السلمي للازمة السورية الطاحنة، كما انه ضروري لحماية دول الخليج الشقيقة واغلبها مهدد بالزوال اذا ما تم تنفيذ اي عمل عسكري مستميت من حكومة نتيناهو ضد ايران كما لمح الى ذلك وزير الخارجية الروسي (لافروف) في معرض ملاسنته مع وزير الخارجية القطري حول دور روسيا في الشأن السوري والذي كان بمثابة تهديد مبطن ولكنه حقيقي.
على الدبلوماسية الاردنية التنبه بعدم تقديم اية تنازلات للحركة الاسلامية على طاولة المفاوضات مع الوفد المرافق لاوباما من باب المخاجلة او اثبات حسن النية فيما قد يدفع به السفير الامريكي في عمان من اجل تمكين اقطاب الحركة الاسلامية ضمن برنامج (المحاصصة) الذي يدعو اليه سوياً مع السفير البريطاني في عمان. كما يتوجب على الامن الاردني التحضير لاحتواء تصعيد محتمل للاحتجاجات في الشارع اثناء زيارة اوباما والتي ستستغل التغطية الاعلامية الاجنبية المرافقه للزيارة الرئاسية.