في نيابة الوزراء .. مرة أخرى
عادل حواتمة
18-03-2013 08:13 PM
كنت قد كتبت مقالاً يتحدث عمّا يشغل الشارع الأردني ونخبه، وهو تشكيل الحكومة المقبلة من حيث إحتواءها على المنكهات والملونات و المدسمات السياسية الديمقراطية والإقتصادية ، كون الموضوع لازال مائياً لم يتشكل بعد، وكنت من المؤيدين لطبع الطاقم الوزاري ببعض النواب ، ومن المصادفة أن طالعتنا مقالات عديدة لجمع من أقطاب الصحافة الأردنية يتحدثون فيها عن عدم إستحسانهم فكرة إضفاء شيء من الشرعية الشعبية للوزراء بإعتبار النواب هم نتاج عملية إنتخابية نزيهة . أو ليسوا هم من شاركوا بالإنتخابات السابقة وساهموا بتشكيل المجلس الجديد، من خلال مرشحيهم الذين أصبحوا نواباً ، والذين لا يثقون بقدراتهم الآن - والحديث حول نيابة الوزراء - أو خسارتهم وبالتالي إختيار أشخاص لم يحققوا الكفاية النيابية وفي كلتا الحالتين فثمة تناقض بين الموقفين. ويعودون و يستخدمون مصطلح "توزير النواب"، وبخلافهم سأستخدم مصطلح " نيابة الوزراء" وللتنويه لست من المصطفين مصلحياً للنواب كأفراد، ولا من المعارضين لتوزير الأكفياء من غيرهم ولكني ممن يدفعون لإنطلاقة المسيرة بنهجها الجديد للإعتبارات التالية.
أولاً: إن الجميع يدرك عمق الضرر الذي أصاب العلاقة بين أغلب المؤسسات الرسمية الأردنية من جهة و الشعب الأردني من جهة أخرى، كما أن الجميع ذاته وظّف خبراته وإمكانياته ودفع بكل طاقاته، لمحاولة البدء بمغادرة هذه الدائرة الى غير رجعة والتوجه نحو مقابلتها، المعنية بعودة الثقة والمصداقية لهذه المؤسسات و بالذات " مجلس النواب" للإرتدادات السياسية والإستقرارية المهمة على الأردن بمجموعه، وكون الموضوع يتعلق بمؤسسة شعبية وركن أساسي من مكونات الفعل السياسي الديمقراطي بالأردن. وبالتالي فالكل معني ببث رسائل وسلوك أفعال تحمل في ثناياها الرضا والتغيير عن هذه المؤسسة التي تم إيجادها وفقاً لمعادلة قانونية إنتخابية جديدة عند التفكير بإسلوب سياسي حكيم، وبالتالي من غير المعقول أن نناقض أنفسنا ونظهر المجلس الجديد بالضعف الأدائي و طغيان المصلحة الشخصية للنواب؛ لأننا ببساطة بصدد التمهيد لرؤية جديدة مغايرة لمشاعر العداء تجاه النواب، وبالتالي تجاه مؤسسة النواب، خلاف ذلك سيعزز الفرضية التي ينطلق منها المقاطعون بهشاشة المجلس دون وجود فاعل لهم .
ثانياً: إن النواب هم الإختيار الحقيقي للشعب - هذه المرة على الأقل - ، والتحقوا بمواقعهم بعد أن إجتازوا شروط العضوية الشخصية والقانونية والشعبية، وفي ظل إجراءات مشددة رافقت العملية الإنتخابية بالمجمل، صحيح أن هنالك إستثناءات طفيفية هنا وهناك وهذا إستثناء وليس قاعدة . فالأرقام تحدثت عن نسبة عالية للإقتراع قاربت 57% أوصلت 61% من مكون المجلس من ذوي التجربة النيابية الأولى. مع إنخفاظ حاد للآثار الجانبية للعملية الإنتخابية من تأثير الهويات الفرعية والقوى المجتمعية بشكل عام على العنف والتزوير و غيره. فكل المستويات الأردنية الرسمية وغير الرسمية تحدثت عن نزاهة الإنتخابات مروراً بالمراقبين المحليين و الدوليين وصولاً لجلالة الملك ، وبالتالي الحديث عن عدم الكفاءة يشوبه بعضُ من عدم الدقة خاصة عند إستحضار موضوع عدم القدرة على الفصل بين الوزارة والنيابة خدمياً وتشريعياً وهو مناقض لما تم توضيحه سابقاً.
ثالثاً: سيخرج علينا من ينادي بالفصل بين السلطات وكيف سيراقب النائب نفسه. النظام السياسي الأردني ليس نظاماً رئاسياً يفرض الفصل الجامد، كما وأن إستخدام "إستقلال السلطات" يلائم الحالة الأردنية أكثر من الفصل والذي جاء ليحارب تركيز السلطة في يد واحدة " الديكتاتوريات" فمن حيث المبدأ لا مخالفة دستورية في هذا وبالتالي لا تناقض بين المهمتين لأنه ما يقرب من أكثر من 95% من النواب سيكونون خارج التشكيلة - بعد جبر الكسور يكون عدد الوزراء بحدود الثمانية أي ثلث الحكومة ذات الأربع والعشرين وزيراً - هذا ما يفترضه الكاتب. وحتى من يدخلها يمكن تجنب إشغاله الحقائب الخدمية مبدأياً للخائفين من تغول النواب عليها ، لا ضرر ولكن لنبدأ. وبالتالي ستمارس الرقابة من بقية أعضاء المجلس ، وهنا يسجل دوراً محورياً للإعلام وخاصة المرئي في رقابة و كشف الملفات المهمة ذات التماس المباشر بقوت المواطن وحريته وممتلكاته العامة فلن يفلت أحد من هذه الرقابة ،أضف لذلك حرص النّواب أنفسهم على تنقية وفلترة الأجواء من الغيوم السوداء التي تعترض إعادة رؤية الشعب الحقيقية لهم، فجلّ الحديث عن مبدأ الفصل بين السلطات يقصد به بشكل أكبر السلطة القضائية وعدم التغول عليها من باقي السلطتين وبالتالي في ظل المعطيات الحالية - قانون الإنتخاب الحالي غير الحزبي - فالمبدأ الواجب تفعيله هو التعاون والتشاركية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مع وجود رقابة سياسية متعددة المنابع دافعها الإستقامة والوطنية للوصول الى الحكومة البرلمانية التي يتحدث عنها الجميع.
رابعاً، في ظل المتاح من الإصلاحات الدستورية وغيرها التي تمت فما المانع أن يشارك النواب حالياً مع هذه الموجة السياسية والإصلاحية والرغبة الملكية في الإنتقال والتدرج في خوض هذه المرحلة الجديدة في ضوء التفاعلات الحالية ؟ . ولماذا يتم الحكم على هذه المرحلة بالفشل منذ البداية ؟ ولمصلحة من ؟ .هل يعقل أنه لا يوجد بمجلس النواب - ذو المئة والخمسين - عضواً ومنهم الوزراء السابقين وأحياناً أصحاب دولة من يساهموا في إدارة الظرف الحالي وبرهنة قدرتهم وحياديتهم وبالتالي حرصهم على تغيير النمطية التي رسخت في أذهان أغلب الشعب الأردني عمّا غلّف مجالسه النيابيه من سلوكيات خاطئه ؟ ومن باب المقابلة ألم يسقط العديد من الوزراء في مصائد التقصير و الإهمال والفساد المالي والإداري، فلنتفق إذاً على أن مرد السقوط هو الدائرة الشخصية وليست المؤسسية وهنا يجدر بنا التنبه وعدم التعميم في ظل تنامي ظاهرة رفض مجلس النواب ومصاحبات هذا التنامي الثقيلة على الحياة السياسية بالأردن بشكل عام ؟.
مرة أخرى الإنحياز كل الإنحياز للأردن بمؤسساته التي يجب أن تعود الثقة بها، والدفع ومحاولة إستغلال فسحة الإصلاحات والرغبة الملكية المستندة للرؤية الاستشرافية المستمدة من الآمال الشعبية بخوض غمار هذه التجربة، ولا يخفى على أحد في ظل وجود مطرقة الثقة، وسندان التعديل أو التغيير الوزاري، يمكن تدارك بند ما يستجد من أعمال.
Adel.hawatmeh@gju.edu.jo