تغيب المبادرات عما يعرف بالاعلام الرسمي او شبه الرسمي في توصيف آخر, ومما يستدعي القلق فعلا انحدار المستوى المهني وتفشي ظاهرة المحسوبية في الاعلام الى جانب انخفاض السقف مؤخرا ليترك فراغا شاسعا تملأه في هذه المرحلة صحافة المواقع الالكترونية واذاعات ومحطات التلفزة الخاصة ,والمحسوبية في الاعلام الرسمي تسجل مستويات عالية وفاضحة من التنفيع على حساب أكثر المهن رفضا لفساد الواسطة والمحسوبية والتنفيع لانها بكل بساطة لا تتفق مع الابداع ,اذ يمكن التوسط لشخص عادي كي يصبح وزيرا وقد ينجح في منصبه ,ولكن لا يمكن معاملة الصحافة بنفس المنطق, ومن غير الممكن التوسط لشخص كي يصبح كاتبا او صحفيا فقط لمجرد انه يرغب بذلك بعدما اصبحت المهنة موضة الربيع الاردني واصبح كل ما يكتب عشر مقالات من السباب اعلاميا يملك مدونة وينال شعبية الحشاشين .
تراكمت مئات (التنفيعات ) في الاعلام الرسمي منذ سنوات طويلة ثم وصلنا الى زمن الحصاد في أكثر اوقات الاردن حساسية وحاجة الى المبدعين الحقيقيين في مواقع صنع القرار الاعلامي ,لينكشف القناع عن حقائق صاخبة في صحافتنا المقرؤة والمسموعة والمرئية ,فالذين دخلوا عالم الصحافة عن طريق الواسطة والتنفيع وبتوصيات من ذوي القربى والمراجع التقليدية المعروفة قطعوا الشوط الاطول نحو ترقيات تؤهلهم وضع السياسات الاعلامية ومواجهة تحديات المرحلة من خلال مبادرات هي اليوم في علم الغيب ولا وجود لها ,اذ كيف نفهم استجابة الاعلام الرسمي الاردني لمضمون الاوراق النقاشية الملكية والدعوة الى حوار وطني شامل ,فهل يعقل ان تنحصر ابداعات الصحافة الاردنية في اجراء مقابلات هاتفية حول مضمون الاوراق مع نفس الخبراء والمحللين السياسيين الذين نسألهم في كل شئ بما في ذلك حالة الطقس لنلتقط من افكارهم بضعة كلمات نحررها او نذيعها للناس وكأن ما يقوله هؤلاء يمثل خاتمة كل حديث ,هل نضبت سلة الافكار والابداعات الا من هذه الوسيلة المكررة في شرح مضامين رؤية جلالة الملك للاصلاح ولمستقبل الاردن..؟
المعاناة الحقيقية للاعلام الاردني الرسمي وغير الرسمي تتمثل في خوف كامن من المبادرات ورعب مما هو جديد وغير مجرب وغير مقترن بموافقة مسبقة,ودرجت في صحافتنا واعلامنا عموما استراتيجية انتظار التعليمات التي لا يصدرها الخبراء بكل اسف رغم كثرة مجالس الادارات واللجان ,ولا تنطلق من حاجات وتحديات حقيقية كما هي الحال في بلدنا اليوم ,وانما من مخاوف وهواجس متداخلة تدفع الى خوف مبرر بحيث يتردد صاحب القرار في اتخاذه لمجرد الاعتقاد انه قد لا يعجب فلان مثلا ,لا احد يوائم وليس لديه الوقت كي يوائم بين امزجة المستويات الاعلى من المسؤولية والقرار وبين متطلبات الاعلام وحاجته الى المبادرة والانطلاق بجرأة نحو مواضيع حاضرة في اذهان الناس بهيئة وتفاصيل خيالية في بعض الاحيان تراكم غضبا على الدولة وعلى النظام بلا سبب حقيقي وبناءا على اكاذيب واشاعات,ومع ذلك لا يتجرأ الاعلام الرسمي على توضيحها ,اما الاسوأ فأن تدار المؤسسات الاعلامية بقلوب موالين وعقول معارضين دون أن تتوفر الموهبة للجمع بين الموقفين بما يخدم المصلحة العليا للوطن والمواطن ,وهذا هو جوهر الرؤية الملكية للمستقبل القريب كما ورد في الاوراق النقاشية الثلاث.
يخاف المدراء ورؤساء التحرير واصحاب القرار الاعلامي ومعهم الحق ,فالقاعدة تقول ( اربط الحمار وين ما بده صاحبه ) ورغم الاحتجاج الشديد على الاخذ بهذه القاعدة من قبل بعض المسؤولين في اعلامنا بكافة اشكاله ومختلف ملكياته,فأن تطبيقها يصبح من تكتيكات البقاء والنجاة بالمنصب لأطول وقت ممكن ,لان البديل في احسن الاحوال توبيخا من الاعلى رتبة لاعتقادة انه فصيح زمانه ,وفي اسوأها اقالة سريعة واستبدال القديم بتنفيعة جديدة وما أكثر الذين ينتظرون فرصهم ,اذ ثمة قاعدة اعلامية في الاردن تقول ,لكل منصب بديل له مساو بالرتبة والراتب ولكنه يختلف من مرجع الى آخر حسب صلة القربى والواسطة المؤدية الى التنفيع .