الأمن العام : مبنى جديد وواجب عتيد
عادل حواتمة
17-03-2013 05:09 AM
نبارك لإدارة جهاز الأمن العام إنتقالها الى مبناها الجديد في المقابلين، فالتغيير هنا طرأ على الموقع وليس على النهج ، فلقد إستقر النهج على الإيمان المطلق بأهمية أداء الأدوار بمنتهى الوطنية والحرفية والحضارية . فهذا الإنتقال يعطي فسحة من الجغرافيا المادية والذهنية وبالتالي الى تكاملية العمل، والتخفيف على المواطنين في إتجاهين، الأول في تخفيف حدة الإزدحامات التي كانت ترافق الموقع القديم ، سيما وأنه كان يقع في محيط حركي ديناميكي، والثاني كون هذا الموقع في ذاته هو مجمّع لأغلب المديريات ومن شأنه قضاء معاملات المواطنين المتعددة في آن واحد.
يسجل للأمن العام - الذي تم فصله عن الجيش عام 1956- كفاءته وحرفيته العالية المدفوعة بالرعاية الملكية السامية، والتي تجاوز فيها أقرانه في المحيط العربي، لينافس بجدارة وإستحقاق أمثاله في الدول المتقدمة جرّاء الإنجازات التي يحققها على صعد مختلفة من حيث؛ الوقاية والعلاج في مختلف مراحل حدوث الجرائم عن طريق المتابعة والرصد المؤدي للمنع والإبطال، الى البحث والتحقيق المؤدي الى الكشف مبكراً عن مرتكبيها، يضاف الى ذلك الجهود الجبّارة في محاربة آفة المجتمعات والتي إذا إستحكمت في مجتمع أسكرته و خورت قواه وأضعفت شبابه و قضمت قيمه، فكانت هذه الأهمية مدعاة إلى إنشاء مديرية خاصة تعنى بمكافحة المخدرات. الى التواصل الإعلامي مع المواطنين لحظة بلحظة ضمن سياق " المتابعة والسيطرة" وإذاعة " أمن FM".
تؤمن الدولة الأردنية، ومن ورائها جهازالأمن العام بأن؛ هنالك بعداً إنسانياً عابراً للحدود ينتظر فرسانهم ليقوموا به تجاه من عصفت بهم إنتكاسات الحياة ، فكانت طلائعهم تؤمّن الخائف، وتساعد المعوز، و تفرض السلم والإستقرار في أصقاع الدنيا. فتجد شعّار العزّة والرجولة قد إرتفع وأستقر فوق تلك الجباه التي أكسبتها شمس الأردن سماراً، تلك الجباه التي لا تعرف الأنحناء الإ لله الواحد القهّار.
الإنجاز الأبرز المراد الإشارة اليه يكمن في الدور الذي لعبه جهاز الأمن العام، خلال العامين المنصرمين في إظهار مدى إلتزامه بالأخلاقيات الوظيفية والحياد في كيفية التعاطي مع الحراكات والمسيرات في كل أنحاء المملكة والذي لم يعبّر خلالها الإ عن الدولة الأردنية بتركيبها الفسيفسائي، فتراه يؤمن بقدسية دوره، ووجوبية بقاء هذا الدور في منحى معتدل دون شطط أو إهمال ، فالواجب المقدس في حفظ أرواح الأردنيين وممتلكاتهم العامة والخاصة، وخلق البيئة المناسبة للتعبير عن آرائهم في مختلف القضايا الداخلية والخارجية خصوصاً ما رافق الربيع العربي من تداعيات إشعاعية تم التعامل معه بالقدر المكافئ ذاته.
فتداعيات الربيع العربي كانت زئبقية، تعتمد على درجة التدهور الإقتصادي وحالة التردي السياسي ، من ممارسة للقمع وتقييد حركة الأفكار السياسية في جميع الإتجاهات الفوقية والتحتية فوجبت أن تكون إسقاطية. الى الحاجة لإجراء مراجعات شاملة سياسية وإقتصادية وقيمية، فكانت إصلاحية. وهذا ما يتسق والحالة الأردنية التي تنشط دائماً في المراجعة وإعادة التقويم .
في جُل هذا كانت الوظيفة أمنية بإمتياز بعيدة كل البعد عن التسييس، فجهاز الأمن العام يؤمن بالتعامل مع الأردنيين بهذا الإعتبار بوصفهم مواطنين لا لإعتباراتهم السياسية أو الفكرية، فهي ليست ديدنهم إلا إذا خرقت الدستور أو تعمل على ذلك فتصبح حينها ضالتهم . وليس بالبعيد عنّا دوره بالأمس في ضبط معادلة العملية الإنتخابية من أي مؤثرات داخلية أو خارجية ، والعمل أن يؤثر جمهور الناخبين بها من حيث المشاركة السليمة المتمثلة بالإقتراع القانوني فقط.
على الطرف الآخر فلقد أوصل جهاز الأمن العام رسائل ذات مضامين متعددة منها ما يدلّل على قدرته في التحول الوظيفي تبعاً ومقتضيات الحال، فمن الحكمة واللين والتفاعلية الإيجابية بالتعامل مع "الجُمعيات" ذات الحراك الفكري، الى التعامل بالحزم والفطنة إذا ما أخذتهم المواجهة مع الخارجين عن القانون أو أولئك الخوارج الذين تسول لهم أنفسهم العبث لتغيير نمطية عيش الأردنيين الراغدة بأمنهم وإستقرارهم.
قد يقول قائل بأن هذه هي واجبات أجهزة الأمن العام في كل العالم، وبالتالي فإن الحديث عنه يعد ضرباً من المداهنة و المجاملة. فأقول لهم إن وطنية الدور ونوعيّته و حضاريته التي قلّ نظيرها والتي تقوم بها كل الأجهزة والمؤسسات الأردنية وبخاصة جهاز الأمن العام تستحق منّا الإشادة والثناء فإذا كان هذا ذلك فسأكون عرّاب المداهنين والمجاملين، وتحية إكبار لجميع منتسبي ومتقاعدي جهازالأمن العام إبتداءً من مديره الفذّ الى من يحمل أدنى رتبة، و من لا يشكر الناس لا يشكر الله.
Adel.hawatmeh@gju.edu.jo