ما تزال قوى الشد العكسي "تتصيد" لوقف دوران مؤمل لعجلة الإصلاحات، وتعمل تلك القوى جاهدة لوقف أي تطور يقودنا لاحقا للدولة المدنية العصرية المتطورة، دولة العدالة والمواطنة وتكافؤ الفرص.
وتقتنص تلك القوى أية فرصة تلوح في الأفق لتعظيم الخوف من التطور الإصلاحي المنشود، وتحرص على زرع بذور الخوف والريبة عند جمهور الناس لإظهار الخوف من أية إصلاحات مقبلة، ولا تتردد تلك القوى في تسليط الضوء على كل ما من شأنه وقف الإصلاحات المنشودة.
بطبيعة الحال (الشد العكسي) لا يرنو في مساعيه تلك لمصلحة الوطن، أو المواطن، ولكن نظرته تنحصر دوما في مصالحه هو وأهدافه، وقياس مدى توافق أية إصلاحات مؤمل بها مع مساعيه تلك.
لا أجدني ظالما لمن يمثل قوى الشد العكسي في أي مكان كان، سواء في مجلس الأمة نوابا أو أعيانا أو في مؤسسات المجتمع المدني، والإعلام أيضا، فهؤلاء الذين يتعاملون مع الأردن وكأنه يقف دوما على حافة الهاوية يرنون من وراء إظهار ذلك إلى إدامة الخوف في نفوس المواطن من أي تغيير محتمل أو من جديد يمكن أن يجلبه التغيير المحتمل، فتراهم يتسابقون لتفسير ما يحدث وفق أهوائهم وبما يتساوق مع وجهات نظرهم.
لا أدافع عن احد، باستثناء دفاعي عن الوطن كله من أقصاه لأقصاه، عن دولة القانون والمواطنة التي لا يظلم فيها المواطن. إنه دفاع عن الأردن الذين نرنو أن يكون واحة ديمقراطية في محيط مليء بالأشواك والعثرات، إنه دفاع عن أردن يقوى بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، ويؤمن بتكافؤ الفرص، وتعزيز فرص الاستثمار، أردن يؤمن بسيادة القانون على الجميع غنيهم وفقيرهم، وزيرهم وغفيرهم، رجاله ونسائه، أردن يذهب فيه كل أبنائه باتجاه البناء وإعلاء مداميك المنعة دون أن تُزرع فيهم أفكار لا تبني أوطانا ولا تساعد على إدامة الديمقراطية.
أراني منحازا هنا للعدالة الاجتماعية، لأردن وطني ديمقراطي، ولست منحازا لكل نعرة أو معول يريد أن يهدم وبدون النظر لليد التي أخرجت المعول، ومن تمثل.
دعونا نذهب لبناء الوطن وأن لا نزرع دون أن ندري أشواكا في الطريق، أو نستخدم كلمات رنانة، ستفسّر لاحقا على أكثر من محمل وفي أكثر من اتجاه. دعونا نصب ماء باردا على كل رأس حامٍ يستغل أية هفوة ليهدم ما تم إنجازه من تقدم ومن إصلاح، دعونا نقول لكل من ينتظر ترك هدفنا الأعلى والأشمل والبحث عن مسائل صغيرة، إننا نحن الأردنيين واعون لما نفعل ولن تنفع معنا ما تصنعه قوى الشد العكسي من حفر لإعاقتنا عن طريق الإصلاح.
صدق الوزير والنائب السابق ممدوح العبادي الذي يغيب عن ساحة التشريع في مجلس النواب بإرادته عندما كان يرفع دوما شعارا لم يحد عنه طوال حملاته الانتخابية الثلاث التي خاضها، بأن الأردن للجميع، فقد كان يعرف ماذا يقول، ومن يخاطب، ويعرف أن قوى الشد العكسي لا يعجبها ذاك، ولكنه كان مصرا عليه.
الديمقراطية لا تخيف أحدا سوى غير الواثق من نجاعة وجهة نظرته، فمثل هؤلاء يرون في الديمقراطية تهميشا لهم وإبعادا عن ساحات صنع القرار، ولذلك تراهم دوما يجهدون في العراقيل ويحاولون دوما إبعاد من يؤمن بالديمقراطية والدولة المدنية العصرية المتطورة، دولة القانون، إبعاد من يؤمن بذاك عن المشهد، لأنهم يعرفون أن صوت الديمقراطية أعلى من أي صوت آخر لأنه صوت الحق.
دعونا نمضي، دون النظر لأولئك الذين يبحثون عن موطئ قدم في الدولة الحديثة، من خلال اقتناص حدث هنا أو تصريح هناك، فهؤلاء لا يستطيعون العيش في المياه الصافية، ويبحثون دوما عن أية وسيلة ممكنة لتلويث صفاء الهدف والمغزى.
الغد