مستقبل العلاقة بين الإخوان والدولة
د. محمد أبو رمان
13-12-2007 02:00 AM
مدى رهان المؤسسة الرسمية على التيار المعتدل في الإخوان؟ وكيف تقرأ أسباب الهزيمة الإخوانية في الانتخابات النيابية؟ وكيف تُلتقط الرسالة السياسية في حل مجلس شورى الإخوان لنفسه والتلويح بعودة التيار المتشدد للمواقع التنظيمية؟ وكيف تُفهم استقالة المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، عبد المجيد ذنيبات من مجلس الأعيان؟.. أسئلة كانت مدار سجال النخب المثقفة والسياسية والإعلامية.تكمن أولى المفاجآت بأنّ القراءة الرسمية لم تكن تتوقع النتيجة التي حصل عليها الإخوان، وهي نتيجة شكّلت صدمة للمؤسسة الرسمية كذلك. إذ كانت أسوأ التقديرات أنّ الإخوان سيحظون بما بين عشرة إلى اثني عشر مقعداً. وتفسّر القراءة الرسمية "الهزيمة الإخوانية" بتراجع شعبية الجماعة في العديد من المناطق، وبتأثير الأوضاع في غزة وأخطاء حماس على شريحة واسعة من المجتمع الأردني، وإلى "الصراع داخل جماعة الإخوان" الذي أدّى ببعض القيادات الإخوانية إلى لعب دور سلبي ومباشر في هزيمة الإخوان. وتؤكد القراءة الرسمية أنّ الدولة لم تتدخل في "التزوير ضد الإخوان"، وأنّ ما حصلوا عليه من أصوات هي الأصوات الحقيقية، وهي أرقام تثبت بصورة مباشرة وواضحة "تراجع شعبية الإخوان".
القراءة الرسمية لا تقع أسيرة الرهان على "الخط المعتدل" في الإخوان، بل تعتبر أنّ هذا الخط غير حاسم ولم يكن قادراً بما فيه الكفاية على وضع حدٍّ فاصل لتغول حماس الكبير وتأثيرها على شريحة واسعة داخل التنظيم. وكان الأجدى بقيادة الجماعة أن يكون لها موقف معلن واضح وحاسم لا يقبل التغطية والسكوت أو الحديث الخجول على استحياء عن "الاختراق الخارجي" للحركة الذي يهدد علاقتها بالدولة في الصميم.
على النقيض من الرؤية الدارجة؛ لم تكن قصة تمثيل جماعة الإخوان لـ"الأردنيين من أصول فلسطينية" مطروحة في القراءة الرسمية، لأنهم لا يمتلكون هذه القوة. لكن هذا لا ينفي أنّ القراءة الرسمية ترفض قطعاً هذا الطرح؛ فالدولة هي التي تمثل الأردنيين جمعياً، من كافة الأصول والمنابت، ومنظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين في الخارج وفي فلسطين. ولا يُسمح بتعدد المرجعيات والولاءات في الأردن، كما هي الحال في دول عربية أخرى.
أحد المحكّات الرئيسة في علاقة الإخوان بالدولة يتمثل بحركة حماس. فهنالك اختراق كبير تقوم به حركة حماس في التنظيم الإخواني، وهنالك العديد من الأفراد من جماعة الإخوان منظمون في حركة حماس، وبعضهم تورّط في أنشطة ضد الأمن. وستُحوّل قريباً جداً مجموعة من الإخوان إلى محكمة أمن الدولة في قضية تتعلق بـ"التخطيط للقيام بعمليات إرهابية داخل الأردن".
تأثير حماس لا يقف عند الجانب الأمني، فعلى المستوى السياسي والتنظيمي والمالي هنالك دور ونشاط ملحوظ لحماس داخل الإخوان. وتذهب القراءة الرسمية إلى أنّ حماس – بالفعل- تعيد – بطريقة أخرى- محاولة إنتاج دور الفصائل الفلسطينية في نهاية الستينات، وهو ما لن تسمح به الدولة بأي حال من الأحوال.
أحد التطورات الجديدة بدء حماس بالتحضير لقيام تنظيم "إخواني فلسطيني" عالمي، يضم فلسطينيي الشتات في العديد من الدول، والأراضي المحتلة، والأردن بلا شك سيكون إحدى أهم الساحات التي ستحاول حماس فرض نفوذها عليه، من خلال تنظيم اخوان (اردنيين من أصل فلسطيني) في حركة حماس، وفرض نفوذها وتأثيرها على جماعة الإخوان محلياً.
في السياق نفسه فإنّ الرسالة التي يقدّمها الإخوان، بالتلويح بعودة التيار المتشدد للسيطرة على قيادة الجماعة، هي "رسالة مستفزة" للدولة بصورة شديدة. فالدولة لم تدخل، في أي وقت من الأوقات، بمقايضة دور الإخوان بالأمن والاستقرار، وما حظي به الإخوان في الأردن كان في سياق شروط تاريخية واضحة، ولأنّ الدولة سمحت به. ولا يملك أحد تهديد الاستقرار والأمن أو التلويح بذلك سواء كان متشدداً أو معتدلاً. أمّا استمرار بعض القيادات باستخدام اللغة السابقة فإنّه يبطن "سوء نية" من قبل الجماعة، وكأنّها ترى في نفسها ندّاً للحُكم، مع أنّ الجماعة هي في الأصل جمعية مسجّلة، وتعمل وفق تصريح وترخيص محدد، ويجب ألا تنسى هذه الحقيقة.
السؤال الآخر الحيوي يتعلّق بالطموح السياسي للإخوان؛ فالقراءة الرسمية ترى أنّ الجماعة مرّت بتحولات بنيوية وأنّ مواقفها ورؤيتها السياسية لحدود دورها في المجتمع الأردني قد تغيّرت، ويكفي أنّ الجماعة في خططها الاستراتيجية كانت تسعى إلى الحصول على نسبة تقارب ثلث مقاعد مجلس النواب، و65% من النقابات المهنية، وتقريباً أغلب البلديات الكبيرة (عمان، اربد، الزرقاء، مادبا، الكرك..)، وهي مرحلة تمهد لدور سياسي متعاظم يعيد تشكيل النظام السياسي نفسه، على النقيض من الدور السياسي التقليدي الذي كانت تقوم به الجماعة خلال العقود السابقة.
ويؤكد بعض المسؤولين أنّ قيادات في جماعة الإخوان طلبت من حماس الخطة التي استخدمتها للسيطرة على البلديات والفوز بالأغلبية داخل المجلس التشريعي الفلسطيني، وأنّهم بالفعل حصلوا عليها في محاولة لاستنساخ التجربة أو الإفادة منها في الأردن. وتذهب القراءة الرسمية إلى أنّ حماس طلبت من حلفائها في الإخوان الدفع باتجاه تقديم قائمة تتضمن عدداً كبيراً من المرشحين وبنوعية وصفات معينة في الانتخابات النيابية الأخيرة، وهو الطلب الذي لم يتمكنوا من تسويقه.
لكن، وعلى الرغم من الازمة الواضحة في العلاقة مع الإخوان، تستبعد القراءة الرسمية سيناريو حل الجماعة أو الحزب، وتؤكد أنّهما يعملان وفق القانون، وأنّ التعامل معهما سيكون وفق القانون، وهو تعامل مع أفراد لا مع المجموع العام، كما حصل في أزمة النواب الأربعة الذين زاروا بيت الزرقاوي. وعلى هذا الأساس فإنّ المقصود بمقابلة رئيس الوزراء السابق، معروف البخيت، مع وكالة الأنباء الأردنية لم يكن التلويح بحل الجماعة أو الحزب وإنما التنبيه إلى خطورة المرحلة التي وصلوا إليها في علاقتهم مع الدولة.
لا تزال "الاستراتيجية الوقائية" قائمة في إعادة هيكلة الحضور الاجتماعي للجماعة والتعامل مع "المؤسسات الموازية" التي أقامتها، ولا تزال هنالك خطوات كثيرة في هذا المجال كي لا تكون الجماعة "دولة داخل الدولة"، ما يجعل من التعامل معها لاحقاً يدخل في ضوء حسابات معقدة ومركبة. فالمطلوب، من الآن، وضع حدود لدور الجماعة ونفوذها وحضورها تحمي الأردن من سيناريوهات خطرة وحرجة وقعت فيها دول عربية أخرى.
بخصوص استقالة عبد المجيد ذنيبات؛ فإنّ الرسالة ستكون سلبية للغاية وستدفع بالأزمة إلى حدود سيئة، وستُكرِّس قناعة لدى الدولة أنّه لا يوجد معتدلون ومتطرفون داخل الجماعة، فالكل في المحصلة يقف في الخندق نفسه. فاختيار الذنيبات لعضوية الأعيان كان تكريما لشخصه ولجماعته من أعلى المستويات، واستقالته هي – بمعنى آخر- رفض للتكريم وثقب كبير وحساس في العلاقة بين الطرفين.
بعيداً عن مناقشة مضمون القراءة الرسمية ودلالاتها المهمة، فإنّ الملاحظة الرئيسة أنّ الأزمة بين الدولة والإخوان تسير بصورة متسارعة نحو التعقيد إلى مراحل متقدمة. وهنالك دواعٍ ملحة للوقوف ملياً عند الروايات والقراءات المتضاربة ووضع النقاط على الحروف.
m.aburumman@alghad.jo