ترى كتل نيابية أن الجولة الأولى من مشاورات تشكيل الحكومة المقبلة، لم تنته إلى نتائج طيبة ومريحة لكلا طرفي المعادلة؛ رئيس الحكومة المكلف د. عبدالله النسور، وغالبية الكتل.
وبدأ بعض النواب يحذر من إمكانية فشل فكرة التجربة الأولى في تشكيل الحكومات البرلمانية في العهد الثالث للمملكة، ومخاطر ذلك على مسيرة الإصلاح المتدرجة التي انتهجتها الدولة على مدى سنتين.
الأسباب التي تقود إلى مثل هذه النتيجة المحبطة متنوعة؛ منها ما يرتبط بالنواب أنفسهم، من قبيل تشرذمهم وضعف كتلهم والتباينات فيما بينها، وكل ما قيل عن هلاميتها وعدم إجماعها على موقف موحد، إذ تجد الكتلة الواحدة منقسمة حول فكرة مثل توزير النواب.
وأدت حداثة التجربة، وغياب الخبرة العملية لدى أغلبية النواب، مع عدم تحضيرهم للفكرة، إلى النتيجة ذاتها. إذ فشل النواب، بسبب غياب البرامج، في فرض سياسات ورؤية بعينها على الحكومة، واكتفوا بالحديث الفضفاض عن قضايا عامة، مثل رفع الأسعار، والفساد، وغيرهما.
مطامح نواب إلى تحقيق مكتسبات خاصة، والظفر بلقب "معالي" بعد "سعادة"، جعلهم يحيدون عن نبل فكرة الحكومة البرلمانية وأهميتها للأردن؛ فأسقطوا من أيديهم حساب النفع العام، وأمسكوا على بعض المكتسبات الصغيرة.
الرئيس يتحمل هو الآخر جزءا من المسؤولية. فما ينقل عن النواب وكتل مختلفة، هو أن د. النسور أطلق تصريحات متباينة حيال قضايا حساسة، منها عودة الوزراء العابرين للحكومات، الأمر الذي صدم النواب وتسبب في ردات فعل عكسية تجاه المفاوضات، وأدى إلى انقلاب كبير، لكن ليس نهائيا، في موقف كتلة مثل "وطن" حيال الرئيس وفرصه في الحصول على الثقة منها، مع أنها الكتلة التي أصرت على تسميته لرئاسة حكومة جديدة حتى اللحظة الأخيرة، برغم قرار الحكومة زيادة أسعار المحروقات مؤخراً.
الضبابية اليوم تلف مشهد مفاوضات تشكيل الحكومة، والجميع مرتبكون. فحال النواب رغم أنهم أصحاب القرار هذه المرة، ليس أحسن بكثير من حال الرئيس، ما يفتح المجال للحديث عن فشل تام لفكرة نبيلة طالما كانت مطلبا للإصلاح والإصلاحيين.
تدارك ما حدث مبكرا ضرورة، لتجنب سيناريو الفشل؛ فالنجاح هو الخيار الوحيد المقبول في هذا الظرف الحساس والاستثنائي، لأن فشل فكرة الحكومة البرلمانية لن ينعكس فقط على الرئيس المكلف، بل على تقييم مدى قدرات النواب على استيعاب الفكرة وإنجاحها، وعلى أهلية اللاعبين السياسيين على ممارسة الديمقراطية، ما يعني إصابة مسيرة الإصلاح ككل بـ"العطب".
ومن ثَمّ، يكون ضروريا طرق كل السبل لتجاوز المأزق الحالي، خصوصا أن اعتماد مبدأ الحكومة البرلمانية اعتبر تتويجا لمسيرة عامين من الإصلاح.
احتمالية إضاعة الفرصة مخيبة للآمال. ولذا، على الجميع أن يؤمنوا بحتمية وأهمية إنضاج الفكرة إلى حين تحققها. فهي فكرة حديثة وجديدة، وكل من ينشط اليوم في المشهد السياسي، حتى المخضرمون منهم، لم يمارسها عمليا. والتجربة والخطأ والصواب ضرورة لنضوجها، وعلى الجميع أن يمضي بها.
قد يخسر البرلمان جولة مع حكومة، وقد تسقط حكومات بعد حصولها على الثقة، لِمَ لا؟ لكن مع مرور الوقت، سيمتلك الجميع الخبرات لإدارة العملية. وربما نكون أكثر حظا لو تزامن ذلك مع تطور أحزاب ذات برامج خلال السنوات المقبلة.
ليس بالضرورة أن تستمر أي حكومة لأربع سنوات، فالأهم من إطالة عمر الحكومة، هو استثمار الفرصة وعدم إضاعتها مجددا، لأن المعنى الوحيد لهذه المحصلة هو العودة إلى المربع الأول، وربما إلى ما قبله، والبدء من جديد!
من المبالغة أن نتوقع نجاح الفكرة من أول جولة ومع أول حكومة. ورفع سقف التوقعات في هذه الفترة بالتحديد سيجعل الجميع يصطدمون بواقع يكشف أن تشكيل الحكومات البرلمانية، وجعلها واقعا يمارسه الأردنيون، غير ممكن ومستحيل، وسابق لأوانه. فمن يريد هذه النتيجة؟
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الغد