الرهان على حالة ملل الأردنيين من طول عمر الوزارة أو استمرار الوزراء في أعمالهم ليس رهانا خاسرا فقط بل رهان بليد وممجوج في بلد يسعى إلى الاستقرار الوزاري وثبات أداء الوزراء لمحاسبتهم بعدالة ولضمان اكتشاف برامجهم ومنحهم الفرصة لتنفيذها, فليس من المعقول أن الوزير الذي يضع حجر الأساس لا يقوم بالافتتاح ومن يفتتح لا يعرف شيئا عن الأساسات.
لم يعد هناك مكان في العالم لكينونات سياسية تتوالد حكوماتها والوزراء فيها مثل الأرانب وتتبدل فيها في المواقع تِبعا للون السيارة أو كرافة الرئيس , ويمكن أن تأتي الوزارة عبر ورقة يانصيب سياسي خيري , فثمة وزراء جلسوا على مقاعدهم للحصول على تقاعد أو حماية من إفلاس أو جَبر خاطر , الى ان داهمنا الواقع الجديد بكل عواره وعوراته فوجدنا انفسنا أسرى لحالة فريدة وربما هي منتجنا الوحيد خلال العقود الأخيرة , وزراء متقاعدون بعد خدمة لا تؤهلهم للحصول على عقد ثابت أو لم ينهوا فترة التجربة بحسب قانون العمل الأردني الذي يشترط فترة تسعين يوما لثبيت العامل او الموظف والكثير من الوزراء لم ينطبق عليهم هذا الشرط البسيط .
تبديل الوزراء او تعديلهم كان أقل من الفترة التي تتبدل فيها فاترينات محلات بيع الملابس , فالوزير بات شتويا وصيفيا وربيعيا وقلة من الوزراء أمضوا الموسم في اماكنهم , والحجة الدائمة أن الشعب الأردني ملول ويحب تبديل الوزراء كما يحب تبديل الأزياء ولم يتعرض احد لتبعات تلك الظاهرة وانعكاساتها السلبية على السلوك الوظيفي والأداء السياسي , فجاء الوزراء ليقطفوا ما تيسر خلال فترة التجربة وجلس على مقاعد الوزارة من لا يستحقون وغابت كفاءات أيضا بحكم التبديل السريع والتغيير المتتالي .
ورقة الملك الثالثة حملت رؤيا متقدمة لحكومة يكون عمرها من عمر المجلس النيابي الذي بات بدوره عرضة للتغيير والتبديل حتى باتت طرفة الدبلوم ملازمة له وتساهلت النكتة الى حد منح مجلس النوب شهادة التوجيهي فقط مع المجلس الحالي , وكل ذلك ساهم باستباحة هيبة الحكومة وهيبة النواب وهيبة باقي المؤسسات الرسمية التي استسهل الوعي العام تصغيرها والعبث بتراثها وتجاربها , فصار الماضي أمل المستقبل وضاع المستقبل في تفاصيل الواقع , وتردّى الحلم العام وتباهى كثيرون بالعبث بأماني الأردنيين وأحلامهم .
الفرصة ليست مواتية الآن , فنحن لا نتحدث عن فُرص سياسية بل عن ضرورة وطنية في الحكومات البرامجية , التي تأتي وترحل وفق برنامجها ومقدرتها على التطبيق بأمانة ويُسر دون خوف من عدم سخونة الكرسي وبرودة العمل العام , فالمرحلة الراهنة تقتضي إعمال البرنامج الوطني وتبديد شكوك استنساخ التجارب السابقة التي كان البرنامج فيها اقل عمرا من وجبة سريعة وحافلات الحكومة مثل سيارات الديلفري التي تأتي مسرعة وترحل بسرعة أكثر, وانسحب ذلك على القوانين والتشريعات والأنظمة , حيث صار الاقتصاد مثل دفتر الدكنجي عرضة للشطب في لحظة وعرضة للامتلاء في اقل من ساعة , والقوانين المستقرة صارت عرضة للتغيير أكثر من مرة في دورة برلمانية واحدة .
الحكومة القادمة هي حكومة برامج وهذا ليس في دائرة الأمنيات بل في دائرة الواجب الوطني المقدس وغياب النواب عن هذه الحكومة لا يقل أهمية عن برامجها , لأن مرحلة التأسيس هي الأخطر وتحتاج لرقابة نيابية كثيفة سيفقدها المجلس النيابي اذا شارك النواب أو تمزقوا بين مقعدين “ الحكومة والنواب “.
omarkallab@yahoo.com