في واحد من أفضل وأهم الكتب الصادرة عام 2012 (بحسب تقييم مجلة فورين بوليسي الأميركية) يقدم الباحثان دارون أشيموغلو وجميس روبنسون عرضا تاريخيا سياسيا اقتصاديا واجتماعيا للأسباب والعوامل التي تجعل مجموعة من الدول التي تبدو متقاربة بخصائصها تحقق مردودا مختلفا في التنمية والتقدم الاقتصادي والسياسي.
في الكتاب الصادر بعنوان “لماذا تسقط الأمم؟” يجادل الباحثان بأن السبب الرئيس وراء نجاح دول معينة مقارنة بأخرى ليس العامل الثقافي والموارد بقدر ما هو القدرة على بناء مؤسسات اقتصادية قوية ونظم سياسية تعددية تعتمد -على أوسع نطاق- على المشاركة الشعبية بصناعة القرار.
وبنفس الوقت فإن الدول الفاشلة والمعرضة للسقوط هي التي تكون فيها المؤسسات ضعيفة وغير منتخبة وخاضعة لسيطرة الأفراد المرتبطين بسلطة غير شعبية حيث تتساقط كل هذه الهياكل تدريجيا أمام التحديات الاقتصادية.
ربما لا يعد هذا الاستنتناج ثوريا ولكن قيمة الكتاب تكمن في تقديمه لمئات الأدلة والأرقام والمقارنات الواقعية التي تدعم وجهة النظر هذه مقارنة بتفسيرات أخرى.
أهم الآراء التي يضرب بها المؤلفان عرض الحائط هي نظرية الفصل ما بين التطور السياسي والاقتصادي، وبالرغم من وجود أمثلة على دول نجحت اقتصاديا بينما لم تحقق نموا سياسيا ديمقراطيا سليما (مثل سنغافورة) فإن ايا من الدول التي حاولت تحقيق الفصل ما بين المسارين تمكنت من النجاح بذلك.
النظرية الأخرى التي يقاومها الباحثان هي التي تتحدث عن “حتمية الجغرافيا والموارد” والتي تشير الى أن نجاح الدول اقتصاديا يعتمد على توافر الموارد الطبيعية والجغرافيا السياسية والطبيعية الملائمة، ولكن عشرات بل مئات الأمثلة التي يوردها الكاتبان تؤكد أنه حتى الدول التي تملك أفضل الموارد الطبيعية المتاحة بخاصة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط ستفشل بتحقيق تنمية اقتصادية سليمة دون مؤسسات سياسية مستدامة وفعالة وديمقراطية، بحيث يمكن أن تتحول الموارد إلى لعنة بدلا من كونها ميزة في حال وجود الفساد وسوء الإدارة والصراع على تلك الموارد.
في حديثهما عن الشرق الأوسط ودوله، يشير المؤلفان إلى أن المؤسسات في هذه الدول ضعيفة ومرتبطة بنخبة سياسية-اقتصادية غير منتخبة هي في الأساس ناتجة عن علاقات القوة أثناء خروج هذه الدول من الاستعمار الغربي.
الفارق الوحيد في التقدم الاقتصادي كان النفط الذي جعل بعض الدول تحقق تطورا ظاهريا في النمو الاقتصادي ولكن في غياب المؤسسات الديمقراطية، بينما دول الشرق الأوسط التي لا توجد فيها الموارد النفطية (مصر، الأردن، سوريا، لبنان، تونس وغيرها) تعيش في حالة تنموية تشبه الدول الأفقر في أميركا اللاتينية وآسيا ولكن أفضل من حالة الدول الإفريقية.
وفي حال أرادت هذه الدول غير النفطية أن تحقق الرخاء الاقتصادي فعليها تقوية المؤسسات المنتخبة والديمقراطية والتي تحقق أفضل تمثيل انتخابي وشعبي ممكن.
وصفة انهيار وسقوط الأمم، بحسب الكتاب الموثق بمئات الشواهد التاريخية هي في غياب المساءلة الديمقراطية والسياسية والتي تسمح لمجموعة صغيرة من النخبة غير المنتخبة والمرتبطة بالسلطة عبر علاقات اجتماعية ومصلحية بأن تنهب الموارد وتتخذ القرارات الأنانية.
والسبيل الأمثل لنهوض الدول وحمايتها هو تطوير المؤسسات السياسية الديمقراطية المستقلة والمؤثرة والمنتخبة بشكل سليم والتي تسهم بدورها بتحقيق تقدم متواز على المسارين السياسي والاقتصادي.
إنها نصيحة ذهبية للجميع، فهل نقرأ جيدا؟
batirw@yahoo.com
الدستور