موسكو: رسائل متعددة و عنوان واحد "التسوية السياسية"
د. عامر السبايلة
14-03-2013 05:18 AM
رسائل موسكو الأخيرة هذه كان لها وقع عالي في واشنطن. الرسائل الروسية هدفت في المقام الأول لضبط المواقف الامريكية الملتبسة و التي ظهرت جلياً عبر الاختلافات الجوهرية التي ظهرت في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أثناء جولته الخليجية الأخيرة, خصوصا في محطتي الرياض و الدوحة. اما الرسالة الروسية الاخرى, فقد جاءت عبر التحرك العدائي النشط لكوريا الشمالية و التي تمثلت بالتجربة النووية و قطع الخط الساخن بين بيونغ يانغ و سيؤول و بالتالي الوصول بشبه الجزيرة الكورية و المنطقة الآسيوية لأعلى نقاط التسخين الذي يستدعي واشنطن الطلب من موسكو و بكين بضرورة السيطرة على الموقف قبل وصوله حد الانفجار. بالتالي تكون الورقة الروسية الثانية قد استخدمت بإتقان, حيث كان للتدخل الروسي في مساندة فرنسا في مالي الدور الأكبر في التحييد الايجابي المؤقت للموقف الفرنسي في سوريا سواء على صعيد التسليح او التنسيق مع الاتراك و القطريين. من الملفت هنا رصد الموقف البريطاني الذي بدأ يسعى لتعويض الموقف الفرنسي, عبر عرض التسليح و بيع الأسلحة, المر الذي لا يتعدى رغبة بريطانيا بتحقيق بعض المكاسب المادية و ضمان حصة من المحصلة النهائية للتسوية.
استمرت رسائل موسكو الحاسمة الهادفة الى ضبط ايقاع الولايات المتحدة و عدم الانسياق أكثر في مغامرة تفجير الأوضاع في سوريا. الانتقاد الذي وجهه الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش للولايات المتحدة و خصوصاً التصريحات العلنية للمسؤولين الأمريكيين المؤيدة للمعارضة و التي اعتبرها المسؤول الروسي بأنها تفسير بيان جنيف من جانب واحد، مما يزيد من صعوبة فرصة وقف المواجهة في سورية. الأمر الذي استدعى رداً توضيحياً من الخارجية الأمريكية, و تصريحاً مباشراً من وزير الخارجية الامريكي جون كيري و الذي سعى لتوضيح الموقف الأمريكي بالقول اننا –اي الامريكيين-:
"نريد ان يجلس الأسد والمعارضة السورية الى طاولة المفاوضات بغية تشكيل حكومة انتقالية ضمن الاطار التوافقي الذي تم التوصل اليه في جنيف"، كيري أكد أيضاً بان اعلان جنيف
"يتطلب موافقة متبادلة من قبل الطرفين لتشكيل الحكومة الانتقالية" و " هذا ما نسعى اليه.. والتوصل الى هذا الأمر يتطلب ان يغير الرئيس الاسد الحسابات لكي لا يظن انه يستطيع اطلاق النار الى ما لانهاية.. كما يجب ايضا ان تجلس الى طاولة المفاوضات معارضة سورية مستعدة للتعاون.. نحن نعمل على هذا وسنستمر في العمل".
تصريح جون كيري هذا -الذي جاء بعد التصعيد الروسي الأخير- وضع نهاية للحلم القطري الذي سعى في الاسابيع الماضية لخلق حكومة سورية مؤقتة تظهر في القمة العربية يوم 26 آذار. الأمر الذي اعتبره الروس دخول قطري الى المناطق الممنوعة و التي –بلاشك- تستدعي عقاباً قريباً. أنشط اطراف المعارضة السورية, هيئة التنسيق المتواجدة في موسكو, عبرت عبر منسقها العام في الداخل حسن عبد العظيم عن ارتياحها لتصريح وزير الخارجية الأمريكي بشأن جلوس المعارضة السورية مع رأس السلطة بشار الأسد على طاولة الحوار، و الذي لم يعتبره عبد العظيم " زلة لسان" بل اعتبره: "حصيلة جهود المبعوث المشترك الاخضر الابراهيمي في الوصول الى توافق امريكي-روسي حول حل سياسي للازمة ووقف العنف ونزيف الدماء”.
أكثر الرسائل الروسية خطورة هي الرسالة الأخيرة و التي عبرت عن قناعة موسكو بوصول الأزمة السورية الى حد التفجير الاقليمي. فكل الشواهد تؤكد أن "المقامرة" بالاستمرار بتفجير الداخل السوري سيكون له ثمنا كبيراً تدفعه دول الاقليم, و في المقام الأول (الأردن, لبنان و تركيا). هذه الرؤية القادمة لتوها من موسكو, نقلتها بعض أطراف المعارضة السورية التي التقت وزير الخارجية الروسي في موسكو, حيث أكد الوزير الروسي أن الأزمة وصلت الى نقطة حساسة, و ان احتمالية انتقالها و توسعها اقليمياً قد يكون على الأبواب. الوزير الروسي وجه رسالة مبطنة للولايات المتحدة بضرورة الايمان بأن توسع الأزمة قد يقضي على حلفاء أميركا في المنطقة حيث خص الوزير -لأول مرة- الأردن عندما حذر واشنطن بأن الأردن قد يختفي عن خريطة المنطقة, بينما تتجدد الحرب الأهلية في لبنان, و تكون تركيا وجهة السلفيين القادمة بعودة كل الخلايا التي مرت من خلالها اليه.
الهزيمة السياسية للمحور المعطل للحل السياسي في سوريا قد يعني ارتفاع نسبة التهديد في المنطقة. أردنياً هذا يعني ارتفاع حتمي في نسبة التحديات أمام الأردن و على جميع الجهات. بدءً بمسألة نزوح الفلسطينيين من سوريا الى تصريحات مفوض اللاجئين, مروراً بالتحديات الناتجة عن استقبال اللاجئين السوريين و الضغوط الاقتصادية عداك عن التحديات الأمنية الحقيقية اليوم و التي دفعت بالمفوض العام للاجئين أنطونيو غوتيرس للتحذير -من عمان- من النتائج الكارثية لتزايد أعداد اللاجئين و خطورة توسع الأزمة في الاقليم.