منذ انطلاق أعمال البرلمان السابع عشر، برزت على السطح مجموعة نيابية تتبنى على نحو مكشوف نظرية المحاصصة الإقليمية، كمنطلق لكل نشاطاتها ومطالباتها تحت القبة. آخر صيحات المجموعة إياها، مطالبة الرئيس المكلف عبدالله النسور، بحصة لا تقل عن عشرة مقاعد في التشكيلة الوزارية الجديدة لأردنيين من أصل فلسطيني، من بينهم نائب لرئيس الوزراء.
المسألة إذن ليست إصلاحا سياسيا، ولا دولة مواطنة تنصف الأردنيين من شتى الأصول والمناطق، بل محاصصة، وفي المناصب والامتيازات فقط.
ولأغراض سياسية بحتة، تستثمر ذات المجموعة في مظالم مشروعة لمواطنين تطبق عليهم تعليمات فك الارتباط بشكل تعسفي؛ ليس بهدف رفع الظلم عن هؤلاء، وإنما استغلال قضاياهم لتكريس منطق المحاصصة، في الوظائف والقبولات الجامعية، وإلا فلن يكتفوا "بحمل أداة حادة بل رشاشات" على ما نقلت صحيفة القدس العربي عن أحدهم يوم أمس!
نظام القبول الجامعي غير عادل، والتعيين في الوظائف الحكومية يخضع لاعتبارات الواسطة والمحسوبية في معظم الأحيان. لكن، هل تحل المحاصصة هذه المشاكل؟ أبدا. كل ما في الأمر، أن السادة النواب إياهم يريدون توزيع الواسطة والمحسوبية مناصفة بين الطرفين. إنهم ببساطة يطمحون بدور إلى جانب البيروقراطية الحكومية في الواسطة والمحسوبية ليس إلا. وها هي مطالبهم تمتد إلى مجلس الوزراء؛ حصة مثل غيرهم، ومن خارج العلبة التقليدية، لأصحاب الجاه من أبناء الدائرة الثانية في عمان أو الرصيفة والزرقاء. يا لها من عدالة!
خطورة المحاصصة التي يطالب بها النواب المحترمون، هي في أنها تكرس الانقسام الأهلي، وتضفي عليه طابعا شرعيا وقانونيا. فعوضا عن التفكير في حلول سياسية وقانونية جذرية للمشاكل المتعلقة بقانون الجنسية وتعليمات فك الارتباط، واحترام سيادة القانون على الجميع، بما لا يمس بحقائق الصراع مع إسرائيل، اختار أصحاب هذا التوجه أقصر الطرق للوصول إلى أهدافهم، وبالأحرى هدفهم الوحيد؛ المحاصصة.
ومكمن الخطورة في هذا الطرح أنه، ولفترة مضت، كان متداولا في بعض وسائل الإعلام والصالونات الخاصة، لكنه اليوم أصبح تحت قبة البرلمان، وغدا سيكون حاضرا في تشكيلة حكومة النسور الثانية التي تشير التسريبات إلى نية رئيسها الأخذ بمطالب "نواب المحاصصة".
كثيرون، وأنا منهم، لا مشكلة عندنا في أصل الرئيس أو فصله. ومن طرفي، أفضل طاهر المصري على سواه في "الدوار الرابع"، وأود أن يكون خالد رمضان وزيرا في كل تشكيلة حكومية. مشكلتنا مع "أصحاب الرؤوس الحامية" الذين ينوون قسمة العرب عربين، وتقويض أحلام الأردنيين بدولة المؤسسات والقانون لصالح دولة تقوم على منطق المحاصصة الذي طالما عانى من ويلاته أبناء الكرك ومعان وإربد قبل غيرهم.
منطق هؤلاء إن استمر على هذه الوتيرة، سيجر البلاد إلى توتر يهدد السلم الأهلي، في إقليم توشك دوله على الدخول في حروب أهلية طاحنة. في حالة الأردن، المستفيد الوحيد من نظرية المحاصصة هو إسرائيل؛ فهي المدخل لشطب حق العودة، لا بل وتهجير عشرات الآلاف من حملة الجنسية الأردنية في الضفة الغربية إلى "بلادهم"، وتسوية حقوق أكثر من مليون فلسطيني يعيشون بيننا، على حساب الأردن بالطبع. هل يدرك نواب المحاصصة خطورة ما يفعلون؟!
fahed.khitan@alghad.jo
الغد