لم يُكتب لأسراب الجراد القليلة التي تعدت حدودها، وجازفت بالدخول إلى حينا، أن تنجو بفعلتها؛ فقد قُطعت عليها الطرق، وعصفت بها رياح الصحراء والجوع، فلم تجد ما تتغذى به فماتت، وحرمت رفيقاتها الدخول إلى الحي بعد الآن.
بسرعة قياسية، أنهينا خوفنا من الجراد الذي غافلنا وقام بالاعتداء على الحي، ولكنه عاد أدراجه مسرعا، ليس لأننا وضعنا مصائد في الطريق، وليس لأننا قمنا بالمكافحة على خير وجه، وإنما عاد لأنه لم يجد ما يأكله ويسد رمقه؛ فالزرع ناشف ذابل، والأرض قاحلة جرداء، والشعب يئن من الجوع، فعاد الجراد أدراجه خوفا من أن يكون هو فريسة، وخوفا من قيام حكومتنا "الرشيدة" بفرض غرامات على الجراد الذي تجاوز حدوده، واعتدى على أراضينا معتقدا أن فيها ما ينفع، وأننا غنيمة، والشعب مبسوط، ولديه القدرة على تقاسم رزقه مع جرادات تجاوزت حدودها، ودخلت أراضينا بدون استئذان.
خسئت كل جرادات العالم أن تجد في بيوتنا أو في أحيائنا ما تبقى لها لتسد رمقها؛ فقد وصل الشعب "للحديدة"، ولم يعد يملك ما يمكن أن يفيض عن حاجاته، وما يسد رمق أطفاله، فكيف خُيل لتلك الجرادات الحمقاء القليلة بأن لدينا ما يمكن أن يكون فائضا عن حاجاتنا، وينفعها لاحقا؟!
كأني بالجرادات التي غامرت ودخلت حينا تهرب لاهثة خائفة على مصيرها ومستقبلها، وقد علمت ما حل بنا من غلاء للأسعار، جعل الطبقة الوسطى "تغور" في النسيان، وزاد معاناة الطبقة الفقيرة، بارتفاع نسب الفقر والبطالة.
شعبنا لا يريد "نجمة سهيل"، ولا يريد تعجيز الحكومات بمطالب مثل لبن العصفور، فهذا الشعب لم يقل كفى، ودعونا وشأننا، وأننا سئمنا أن تمد الحكومات المتعاقبة يدها إلى جيوبنا لأخذ ما تريد حتى لم يعد في الجيبة ما يكفي أهل الدار. شعبنا طيب يعرف أن الحكومة لا تستطيع إلا الاعتماد على جيوب شعبها، ويعرف أن الحكومات لا تستطيع معالجة خلل الموازنة إلا من جيب المواطن.
المواطن يعرف أن حكوماتنا تغض النظر عن معالجة مشاكل الطاقة التي تفاقمت على مر السنين بدون أن تقدم على استخراج الصخر الزيتي أو الغاز، أو استحداث الطاقات البديلة. وهو يعرف أيضا أن الحكومات عندما تتحدث عن بدائل الطاقة، إنما تفعل ذلك في المنتديات والمؤتمرات الصحفية وعند طلب الثقة، وفي المشاورات مع النواب، بدون أن يكون لما قيل أثر واضح على أرض الواقع.
شخصيا، سمعت حكومات متعاقبة كثيرة تحدثت عن بدائل الطاقة، ولكني لم أر حكومة حتى الآن تقوم بفعل ما ذكرته في أوراقها التي قدمتها. والبديل دوما جاهز، وهو جيب المواطن.
البشرى للحكومة الحالية، والتي تليها، والتي ستليها؛ فالمواطنون سوادهم وصلوا "للحديدة"، وسواد سوادهم تعدوا "الحديدة" إلى درجات أكثر قسوة، وبعضهم بات ينام يوما ويومين بلا أكل يسد رمق أطفاله، فكيف ستفعل الحكومات لاحقا عندما يحين وقت الحقائق، والبحث عن بدائل الطاقة ورفع الكهرباء؟ فنحن الذين لم نفعل شيئا حتى الآن لمعالجة مشكلتنا المتواصلة، سنعود إلى جيب المواطن مجددا.
الكهرباء ستُرفع وجيب المواطن هو الحل. والتبرير أن مشاكل الموازنة العامة لا يمكن معالجتها بدون اتخاذ تلك الخطوة. وهنا، تغض الحكومة النظر، وترفض القول إن رفع الكهرباء من ضمن شروط صندوق النقد الدولي لتصحيح الاقتصاد.
كفانا لعبا على الكلمات، واستعارة كلمات إنشائية حول مكافحة الفساد والفاسدين. دعونا نذهب باتجاه الحل عبر طريق مستقيم واضح لا حياد عنه؛ فمعالجة مشاكل الطاقة توجب البحث عن بدائل، وليس البحث عن جيب المواطن.
jihad.mansi@alghad.jo
الغد