النواب والحكومة ومرحلة متحولة بين التعاونية و التنافسية
عادل حواتمة
11-03-2013 04:25 PM
المرحلة جديدة بتفاصيلها، ابتداءًا من التغيير الذي أصاب طريقة إختيار رئيس الحكومة - وإن أخفق النواب مرحلياً في التعاطي معها- الى حكومة جديدة ومجلس نواب جديد، الى آخر هذه المتسلسلة. وفي خضم هذا كله يطرح السؤال التالي : هل ستقدم هذه المؤسسات نهجاً جديداً مقنعاً ؟ بمعنى أن يلحظ المواطن تغييراً في الأداءات والمسلكيات السياسية نحو ما يجب أن يكون وذلك بعد جملة من تلك السلوكيات والتي أسست وللأسف لقناعات تتقاطع مع الطبيعة الوظيفية لتلك المؤسسات ، ولم تقف عند هذا الحد بل أخذت تسير في طريق المسلمّات، صحيح أن هذا ليس حال كل الأردنيين وإن كان جمع كبير منهم يدخل في السياق السابق.
وفي هذا الإطار فإن لطبيعة الملفات الساخنة أو التي يجري تسخينها المناطة بكل مؤسسة على حدة أو بكليهما معاً الدور الدور الأكبر في رسم خطوط العلاقة المستقبلية ودفعها وتوجيهها إما الى مزيد من التعاوان وهذا ما نأمل ونعمل، أو الى مزيد من التنافس على فوارغ الأمور وهذا ما نخشى، الإ إذا كان التنافس يدخل في نطاق خدمة الأردن بمجموعه. ومما سيسهم في إيضاح تلك العلاقة هو شكل الحكومة وطبيعة فواعلها، بمعنى أن هناك سيناريوهات مستقبلية محكومة بما يستقر عليه الأمر بخصوص تركيبة الطاقم الوزاري .
السيناريو الأول وهو قديم بحد بذاته ولا يراد تجديده، من حيث إستقلالية الوزارة عن النيابة بمعنى تشكيلة جديدة خالية من عضوية النواب حيث أستقر هذا التوجه خلال حكم جلالة الملك عبدالله الثاني .
وهذا يعنى أن لايشترك النواب بالحكومة الجديدة إما برغبة نابعة منهم أو من غالبيتهم أو عدم إشراكهم ، مع إستبعادي لهذا الأخير إنطلاقاً من الطبيعة المنفتحة للرئيس نفسه كونه إبن سابق لمجلس النواب ، ومن حيث التوجيه الملكي الذي كان واضحاً وصريحاً في ضرورة تجاوز التشاور الى الشراكة ولا أعتقد أن الشراكة هنا يراد بها إتخاذ القرار والإتفاق سوياً على مجرد أسماء الطاقم الوزاري من خارج النواب بقدر ما هو المقصود منها الشراكة الطاقمية للنواب، سيما وأن ورقة جلالة الملك النقاشية الثالثة تحدثت عن إشراك متدرج للنواب؛ والتدرج بأبسط معانيه يعني البدء الآن وبالخطوة الأولى - وهنا الحذر والإقدام مطلوبان- للسير نحو برلمانية الحكومات. وفيما يخص العلاقة بين مجلس النواب و الحكومة ضمن هذا الخيار فأعتقد أنه سيسودها كثير من التنافسية قليل من التعاون، سيما في ظل التوجه لإتخاذ قرارات تنفيذية مهمة، تجبر النواب على الإمتثال للمطالب الشعبية والقيام بواجباتهم تجاه قواعدهم الإنتخابية والتعبير عن مطلبية الحراك الراشد في ظل عدم وجود ما يخسرونه حكومياً مع ما يكتسبونه شعبوياً.
السيناريو الثاني وهو المرجح وعنوانه الشراكة الحقيقية تشكيلاً وعملاً .
فإذا ما تم هذا السيناريو بغض النظر عن حجم المشاركة فأن ثمة محاذير يجب أن يحسب حسابها:-
التنافسية بين النواب أنفسهم كتلاً وأفراداً وأثر ذلك على مجلس النواب كوحدة عمل وكيفية التعاطي مع الزملاء الوزراء من جهة الرقابة السياسية ودرجة الإنسجام مع الوزراء من خارج مجلس النواب!
الى أي درجة ستكون القدرة على الفصل حاضرة في خدمة الوزارة بمتعلقاتها من جهة وخدمة الدائرة الإنتخابية من جهة أخرى وهنا تبرز أهمية الحديث عن إيجاد آلية متفق عليها تنظر في عدم التعارضية أو الإحلالية .
غياب هاجس الخوف من الإقالة أو الإستقالة ، ففقدان مقعد الحكومة لا يعني فقدان مقعد النيابة، وما مدى إرتباط ذلك بالجودة والعمل الوطني
الشعبية، وعلاقتها في تدعيم أجواء الإستقرار ودرجة تماسك الطاقم الوزاري الناشئ ذو الأربع سنوات عند التعامل مع الملفات الساخنة ذوات الصبغة الشعبية .
وهذا لا يعني على الإطلاق إعتبار تلك المحاذير كحقول ألغام يحرم الإقتراب منها ، بقدر ما هي ملاحظات قابلة للتحوير والانتقال الى نقاط قوة يراد الإشارة لها لإنجاح التجربة البرلمانية الجديدة والتأسيس لها بشكل متين، يضمن القناعة والإستمرارية لمخرجات هذة التجربة. وعلى الصعيد الشخصي أنا ممن يؤمنون بهذا التوجه الذي يزاوج ما بين النيابة والوزارة كخطوة مهمة في طريق الإصلاح وذلك بالنظر الى الموضوع من أعلى وبعيداً عن تضييق الواسعات.
وفي هذا السيناريو يرجح إرتفاع وتيرة التعاون بين الشريكين على حساب التنافس، لإعتبار أن القرارات بطبيعة الحال ذات منشأ مشترك من النواب والحكومة وبالتالي هناك توافق حولها وحول تداعياتها، ومن حسنات هذا السيناريو أيضاً هو مرور مريح للقرارات الحكومية الصعبة نيابياً على الأقل في تجاوز مصيدة التصويت على تلك القرارت لإعتبارات كتل وزراء النواب ومن يؤثرون عليهم، والأهم من ذلك كله تحقيق شرعية الحكومة في تخطي الأغلبية المطلقة على الأقل في منح الثقة والتي أعتقد أنها ستكون بنسبة تقارب ثلثي المجلس، هذه النسبة إذا ما حصلت الحكومة عليها كنتيجة لواقعية خطة العمل الحكومية و تفاهمات حول القضايا المهمة، خاصة ملف المحروقات من قبيل زيادة الدعم للمواطن من شأنها موازنة وعقلنة النظرة الشعبية تجاه الحكومة، لإعطائها دفعة معنوية للإنطلاق بخططها التنموية الإصلاحية المؤسسية والنواب في المحافظة على الرصيد الشعبي .
ويأخذني التفاؤل للحديث عن مجلس النواب ذو السنوات الأربع لوصف مراحل عمل أعضاؤه تبعاً لعدد سنيه فالسنة الأولى حماسية وتعليمية بإمتيار وعادةً ما تشهد إشتباك سلمي يبلور مواقف النواب مع السياسات الحكومية .فيما ملامح الثانية تشكل مزيجاً من بداية تشكل الخبرة غير المكتملة الى جانب الحفاظ على علاقات عامة مع القاعدة الإنتخابية في ظل هدوء حذر يشوب العلاقة بين طرفي الفعل السياسي.
أما السنة الثالثة فمجرد الوصول لها يعني تغييراً في النظرة الشعبية وبالتالي الملكية لمجلس النواب بناءً على تغيير دوره وتحسن أداءه نحو المقبول والمأمول مقارنة مع المجلسين السابقيين الذين ناهزعمريهما حولين كاملين فعنوانها، تحسن ملحوظ على أداء النواب برلمانياً وسياسياً فيما يعود التصعيد يفرض نفسه على علاقتهم بالحكومة سيما وأنهم مطالبين بهذه المرحلة بإنجازات مقنعة للمحافظة على شعبيتهم، وذلك بسبب الضعف الذي يدب بعلاقتهم بقواعدهم الشعبية ، نتيجة تشابك وتعدد الواجبات المطلوبة من النائب على حساب ديمومة التواصل ، الى جانب إعتماده على تعويض هذا الضرر الذي قد يصيب العلاقة ؛ من خلال السنة الأخيرة من عمر البرلمان وهي السنة التي ينشط فيها شعبياً لدرجة كبيرة بالتزامن مع بدء الحديث عن خبرة برلمانية مكتملة الى حد ما ، مليئة بالمحطات التي تدفع به الى التفاضلية مع غيره من مرشحين عند الحديث عن بدء الإستعدادات لإنتخابات برلمانية مقبلة.
و بالرغم من كل ذلك فلقد أحتوت حكومة الدكتور النسور السابقة برلمانيين من المجلس السادس عشر شغلا وزارتين مهمتين تتسقا ومتطلبات الحالة الأردنية وكما يصطلح على تسميتها "خبز وديمقراطية" فمن "العمل" الى " التنمية السياسية" نشط كل من القطامين و حدادين بشكل لافت للنظر ، حيث نجح الأول في الإعلان والبدء بتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للتشغيل والتي ساهمت وبقدر معقول من تأمين فرص عمل جيدة للأردنيين. في حين نجح الثاني في تشكيل فضاء إصلاحي ساهم في تكثيف المشاركة السياسية في الإنتخابات الأخيرة .
وبالتالي فإن ما يحكم الأمور هو إختيار النائب على أساس الخبرة والقدرة والوطنية. ودعونا نطبع موقفنا ولو بشكل مؤقت برفض حالة الرفض التي أصبحت تعنون علاقتنا بمؤسسة مجلس النواب صحيح أن هناك قناعة بعدم الرضا وصلت أخيراً لدينا نتيجة لسوء أداء مجالس نيابية سابقة أو من خلال طرق وصولهم ولكن وبتجرد فليكن الأداء النيابي في هذه الأثناء فيصلنا في عملية فرز أعمالهم ، والحكم عليهم. وقناعتي من خلال متابعتي بأن هناك بوادر حسنة تلوح بالإفق النيابي الجديد تسعى الى التكفير عمّا اقترف سابقاً ومحاولة طي صفحة الجفاء وهنا يبرز دور مهم وحكيم يتبناه رئيس المجلس الذي يدرك تماماً متعلقات العمل النيابي وتأثره ببيئتيه الداخلية والخارجية فكلتا المؤسستين الآن في طور التكوين الأدائي لظروف عملهما المفترض وسوف يلعبان سياسياً ورقابياً على المسرح الشعبي ، والذي سيعبر عن رأيه فيما يرى وبما يقتنع فإما الإعجاب والثناء وإما الغضب والسخط.
عادل حواتمة/ adel.hawatmeh@gju.edu.jo