عندما تصل أعداد الذين يلجأون يومياً من الأشقاء السوريين ، أعانهم الله، إلى الأردن إلى هذه الأرقام الفلكية وعندما تغرق سوريا في هذه الفوضى غير الخلاقة وعندما تغلق روسيا كل أبواب الحلول السياسية وتمنع بشار الأسد من حتى التفكير بالمرحلة الإنتقالية التي يجري الحديث عنها على أساس الست نقاط التي كان توصل إليها مؤتمر جنيف الأول فإنه لم يعد هناك إلاَّ اللجوء إلى الحلول الجراحية لوضع حدٍّ لكل هذا الذي يجري والذي بات يُصدِّر الإرتباك وعدم الإستقرار والمخاطر الأمنية الفعلية إلى الدول المجاورة وفي مقدمتها هذا البلد المملكة الأردنية الهاشمية.
والمشكلة هنا أن بعض المتحذلقين وبعض المنافقين وبعض الذين يتابعون الأمور عن بعد لا يتورعون من أنْ يحمِّلوا الأردن مسؤولية نزوح وصل معدل أعداده اليومية إلى أربعة آلاف من الأطفال والنساء وكل هذا وهم يعرفون أنَّ بشار الأسد كان قد أعلن بعظمة لسانه وقبل نحو عامين أنه إذا تعرض نظامه للخطر فإن الفوضى سوف تعم المنطقة وأنَّ عدم الإستقرار سيصل إلى الدول المجاورة وحقيقة أن المقصود هنا كان ولا يزال هو هذا البلد وليس لبنان ولا تركيا ولا العراق بالطبع الذي بات يعتبر مجالاً حيوياً لدولة الولي الفقيه الإيرانية.
ولعل ما يجب أن يدركه الذين لا يترددون في تحميل هذا البلد وتحميل نظامه مسؤولية لجوء الأشقاء السوريين بكل هذه الأعداد المتزايدة هو أن المشكلة لا تقتصر على المأوى والأكل والشرب والطبابة والمدارس بل تتعداها إلى ما هو أخطر كثيراً وهو الجوانب الأمنية التي لا يعرف حقيقتها وخطورتها إلاّ أجهزتنا الأمنية المستنفرة على مدار الساعة وإلاّ جيشنا العربي الباسل الذي يعيش حالة طوارئ في أعلى مستوياتها منذ لحظة إنطلاق شرارة هذه الأحداث من مدينة درعا الحورانية قبل عامين.
لا حلول سياسية تلوح في الأفق إطلاقاً ولهذا فإنه علينا ألاَّ نبقى نختبئ وراء أصابع أيدينا حتى لا نرى الحقائق وحتى نبقى ندعو لمثل هذه الحلول ثم وأنه علينا أنْ نُفهم العالم ونُفهم هذا النظام، الذي بات واضحاً أنَّه ماضٍ في ما كان بدأه حتى لو لم يبقَ في سوريا حجر على حجر وحتى لو غادر الشعب السوري كله وطنه وفرَّ إلى الدول المجاورة وإلى أربع رياح الأرض، أنه لابد من الحلول الجراحية وبسرعة حتى لا تعم الفوضى، التي توعد بها بشار الأسد المنطقة، الدول المجاورة وفي مقدمتها الأردن.
إنه على الذين لا يجدون الجرأة في قول هذه الحقائق ويفضلون الإستمرار في الإختباء وراء أصابع أيديهم أن يعرفوا أنَّ الحرب الهندية-الباكستانية الطاحنة في بدايات سبعينات القرن الماضي سببها أن نيودلهي وجدت أنها غير قادرة على إستيعاب ملايين اللاجئين من بنغلادش التي تحولت إلى ساحة معركة بعد الحركة الإنفصالية التي قادها الشيخ مجيب الرحمن ضد بقاء بلاده جزءاً من باكستان وأن حافظ الأسد بالإتفاق مع هنري كيسنجر قد أرسل جيوشه إلى لبنان في عام 1976 بحجة وضع حدٍّ للفوضى التي أعقبت إنفجار الحرب الأهلية وأيضاً بحجة أن سوريا لم تعد تحتمل المزيد من اللاجئين اللبنانيين وكذلك فإن المعروف أنَّ الإتحاد السوفياتي قد أرسل الجيش الأحمر إلى أفغانستان في نهايات سبعينات القرن الماضي بحجة أن الفوضى التي غدت تضرب هذا البلد، بعد انقلاب حفيظ الله أمين، باتت تشكل خطراً على الجمهوريات الإسلامية المتاخمة.
إنه من غير الممكن احتمال استمرار تدفق الأشقاء من اللاجئين السوريين لا أمنياً ولا «لوجستياً» وبخاصة وأن المتوقع أن تصل أعدادهم إلى عشرات الألوف يومياً ولذلك فيجب أن يتركز الجهد العربي والدولي الآن على نقطتين هما الأولى: كإيجاد ملاذات آمنة محمية دولياً بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة داخل الأراضي السورية للاجئين السوريين وبأشراف دولي ومسؤولية دولية أما الثانية ، فهي أنه لابد مما لابدَّ منه وهو لجوء مجلس الأمن أو حتى حلف الأطلسي إلى عملية استئصالية كالتي جرت في ليبيا وكالتي كانت قبل ذلك قد جرت في البلقان.. إن الأمور لم تعد تحتمل الإنتظار وإنَّ الحلول السياسية التي يجري الحديث عنها بات من الواضح أنها غير ممكنة في ظل هذا الموقف المستغرب الذي تتخذه روسيا ولذلك فإنه هذا هو الرَّد.
الرأي