إستراتيجية وزارة الخارجية (1)
09-03-2013 10:36 PM
*المقدمة
لا أكتب هذا المقال للعاملين في وزارة الخارجية الأردنيه ؛ فهم سفراء وقناصل وموظفين أعلم مني بواجباتهم ومسؤولياتهم كل حسب اختصاصه ؛ لكنني أكتبها للمواطنين ليعرفوها ؛ حتى أذا احتاج المواطن إلى شأن من شؤونها عرف أنها تخصهم فيعرض قضيته عليهم بيسر وقناعه.
ناهيك عن الذكر بأنني خدمت وزيرا مفوضا (1964-1965 ) وسفيرا ( 1973-1976 ) ؛ ولذلك اطلعت على الاسترتيجية البريطانيه ؛ واقتبست منها في هذا المقال والمقال الثاني ما ينفع المواطنين الأردنيين في الخارج.
لقد أدى تسارع التطورات والمحدثات الجديدة في ميادين الإعلام والاتصالات والنقل وتشابك المصالح الدولية الثنائية ومتعددة الأطراف والمنظمات الدولية ، إلى جعل الأحداث العالمية أقرب إلى كل دولة مما كانت عليه في الماضي ، وأكبر تأثيرا في العالم كله ، الذي أخذ يوصف بمصطلح " القرية العالمية". هكذا أخذت المملكة الأردنية الهاشمية تتأثر مباشرة بما يجري في الإقليم المحيط بها ، وفي بقية العالم. كما أدى هذا الموقف العالمي إلى ترابط أوثق بين السياسات الداخلية والسياسات الخارجية في كل دولة مهما كانت كبرى أو صغيرة. كما أدى هذا الموقف العالمي إلى تعديل واجبات ومسؤوليات وزارات الخارجية والبعثات الدبلوماسية بهدف تلبية حاجات دولها لتحقيق مصالحها في بقية العالم .
منذ أن قامت أمارة شرق الأردن عام 1920 وحتى اليوم الذي نحن فيه ومملكتنا تواجه مشاكل سياسية واقتصادية وأمنية ودفاعية ليست نابعة منها ، بل بسبب موقعها الجغرافي الحيوي في قلب الأرض الحيوية العالمية بين الشرق والغرب والشمال والجنوب ، خاصة في قلب شبه الجزيرة العربية: ( بين فلسطين ولبنان وسوريا والعراق والسعودية ، ومجاورة بقرب من الكويت والبحرين وقطر والأمارات العربية المتحدة وعمان واليمن ) التي تعاني الآن من مخاطر أمنية ، ونوايا دولية استبدادية ، ومساعي استعمارية للسيطرة على النفط العربي الذي لا غنى للعالم عنه.
لقد قدمت مملكتنا تضحيات عظمى ؛ إذا تساوت الأشياء ، أكبر من تضحيات أية دولة عربية أخرى في المنطقة في سبيل مصالح الأمة العربية التي تنتمي إليها. وقد قدمت خدمات أخوية في تطوير دول الخليج منذ قيامها واحدة بعد الأخرى ، في ميادين الإدارة ، والتربية والتعليم ، وتدريب القوات المسلحة والأمنية ، والعمالة المختصة في كل ميدان تقريبا. وهي لذلك تتمتع بمكانة جيدة ، وصداقة أخوية لا غنى لها عنها ، ولا غنى للدولة الشقيقة عنها أيضا. أما مكانتها في الجامعة العربية التي كانت من الدول العربية المؤسسة لها فهي جيدة ومؤثرة لصالحنا وصالح الجامعة.
لقد مرت الأمة العربية ، خاصة في سوريا ، ولبنان ، والعراق ، ومصر ، وليبيا ، والسودان ، والصومال ، بتجارب مريرة نتيجة للإنقلابات العسكرية وتداعياتها الوبائية الخطيرة خاصة في ميدان الديمقراطية وحقوق الإنسان. وبقيت مملكتنا حصينة محمية من وباء الانقلابات ، لكنها عانت من أعاصير داخلية بسبب اختراقات خارجية ؛ وفقدان الأمن في مرحلة محاولة بعض المنظمات المسلحة الإستيلاء على الحكم ، والذي أدى فشلها إلى تطعيم المملكة قيادة وشعبا ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية بجرعة قوية من خبرات لا نظير لها في الدول النامية في العالم.
لقد ساعد صمود المملكة الأردنية الهاشمية في وجه التحديات ، وتسارع تحديث وتطوير الحياة فيها في كل ميدان ، خاصة في الميدان العسكري والأمني والإداري ، ونمو الحياة الديمقراطية ، والمحافظة على حقوق الإنسان ، وخبراتها وتجاربها الإنسانية على اختيارها دولة مساهمة بقواتها العسكرية والأمنية ، ومؤسساتها الإدارية في مواقع النزاعات الداخلية التي ترعاها هيئة الأمم المتحدة ، أو الدول العربية الشقيقة التي طلبت مساعدة أردنية في هذا المجال الحيوي.
كل ما سلف ذكره يدعو إلى وجود استراتيجية لوزارة الخارجية الأردنية تأخذ بعين الاعتبار موقع المملكة الاستراتيجي العربي والعالمي ، وقدراتها على المساهمة في الحياة الدولية في خدمة السلام العالمي والقيم الانسانية، ومواجهة المتغيرات والتطورات المتسارعة في العالم.