البنك الدولي .. "دَناوِة نَفْس" متجددة
احمد ابوخليل
09-03-2013 06:08 AM
يعود البنك الدولي الى فكرة التشكيك بصندوق المعونة الوطنية من خلال إعلانه مؤخراً أن 85% من المعونات تذهب لغير الفقراء. وكان البنك قبل تسع سنوات، وفي عام 2004 قد أصدر تقريراً شهيراً جاء فيه وقتها أن "ثلثي معونات صندوق المعونة تذهب لغير الفقراء"، وكانت هذه النتيجة أكثر أفكار التقرير بريقاً وقد ركز عليها الاعلام لأكثر من سنة، وفرح بها المعارضون باعتبارها اعترافاً من الداخل.
عندما صدر الرقم القديم، أجريت قدراً -معقولاً- من التقصي عن تلك النتيجة الفاقعة، لتتضح ضحالة المنطق الذي يقف خلفها وطريقة الحساب المضحكة التي أدت إليها، فقد التقيت رئيس الفريق الأردني "النظير" المشارك في إعداد التقرير، ومدير دائرة الاحصاءات العامة التي استند التقرير اليها، ثم التقيت الخبير الدولي في مجال مكافحة الفقر الدكتور محمد الصقور الذي فسر لي تلك الأرقام والنسب وكشف زيفها. (كلمة "زيفها" من عندي).
واقع الأمر أن إعلان تلك النتيجة التي أريد لها أن تكون صادمة، أتى في سياق السعي آنذاك نحو السيطرة على موازنة صندوق المعونة تحت عنوان توحيد إدارة ملف الفقر، حيث يتبع الصندوق لوزارة التنمية الاجتماعية، بينما يتعامل البنك الدولي مع وزارة التخطيط، وقد كتب مقدمة تقرير البنك، الدكتور باسم عوض الله وزير التخطيط آنذاك، (والمعروف طبعاً بحرصه على المال العام وخاصة حرصه وقربه من الفقراء)!!
كانت فكرة الصراع بين وزارتي التخطيط والتنمية معروفة في أوساط الوزارتين، ولم يكن البنك الدولي يخفي محبته لوزارة التخطيط وتأففه من وزارة التنمية. غير أنه بالمحصلة لم تنجح فكرة شطب الصندوق أو "هيكلته" كما كان يقال رسمياً.
الموضوع فيه كلام تفصيلي كثير، والبنك الدولي ووزارة التخطيط يعرفان أن أول مداخلة تنفيذية لهما في موضوع الفقر في الأردن عام 1997/ 1998، اعتمدت بشكل كامل على معلومات وبيانات صندوق المعونة، وذلك عندما وقف "خبراء" البنك والوزارة ببلاهة أمام سؤال: أين نعثر على الفقراء الذين نريد مكافحة فقرهم؟ في ذلك الوقت كانت الوزارة وبإشراف البنك، تدير موازنة من 398 مليون دينار، بينما لم تكن موازنة تتجاوز الصندوق 60 مليوناً، وبالطبع لم يبحث البنك عن نسب المستفيدين من المال الذي أشرف عليه منذ ذلك الحين والذي تضاعف حجمه عدة مرات.
من المهم الآن التنبيه الى الأهداف المحتملة لهذا النقد المتجدد لصندوق المعونة. إن الصندوق، رغم أهمية وضرورة نقده، يبقى تجربة وطنية أردنية بامتياز، وقصة تأسيسه يفترض أن تكون مرجعاً تطبيقياً وأخلاقياً في مجال مكافحة الفقر.
إن البنك الدولي هو الراعي الرسمي لسياسات الإفقار في كل أنحاء العالم الثالث، وهو آخر جهة يمكن الوثوق بموقفها من مكافحة الفقر.
ahmad.abukhalil@alarabalyawm.net
العرب اليوم