للأسف، لم يدعنا السادة النواب نلتقط الأنفاس؛ فما حدث الأسبوع الماضي، في جلسة مجلس النواب الأخيرة، شكل عنوان المجلس الجديد ونخبته الجديدة بأسرع مما كنا نتوقع، ما يعيد صورة المجلس السابق بصورة محزنة ومخجلة هذه المرة؛ من خلال فوضى سياسية لا تليق في ملف مشاورات تسمية رئيس الوزراء المقبل، وافتعال العنف اللفظي والمادي، والتهديد باستخدام السلاح تحت القبة العتيدة في مناقشة ملف أسعار المحروقات.
تحدث الفوضى في العديد من البرلمانات، ويتبادل النواب، مع بعضهم بعضا ومع الحكومات، الاتهامات والشتائم، ولكن بوجود قضية حقيقية ووضوح في المواقف، وليس على طريقتنا. وخلال ساعات، شاهد فيديو فوضى البرلمان عشرات الآلاف، فهل هذا ما نريد أن نعلّمه للطلبة في المدارس والجامعات، أم أنها طريق الندامة التي تقول للناس: توبوا عن الديمقراطية إذا ما كانت هذه نتيجتها؟!
منذ سنوات طويلة، ونحن نرفض الاعتراف أننا أمام أزمة نخبة مستعصية، وأن الدولة التي أنتجت هذه الأزمة قد نقلتها باحتراف إلى المجتمع. وفي ضوء المشاهد المتكررة وكل هذا الحصاد، فقد حان الوقت للاعتراف بأن لا مستقبل للديمقراطية، والحكومات البرلمانية والإصلاح السياسي، بدون اختراق حقيقي للطبقة السياسية التقليدية.
على مدى سنوات أيضا، لم تعد الدولة تتحمل أي تغيير في دورة دماء النخب التقليدية التي تحرك جسدها. ومع ازدياد الحديث عن الإصلاح والتغيير، كانت شروط تعريف الولاء السياسي تزداد غموضا وضيقا وتعقيدا، وتحرم البلاد من الكفاءات من أبنائها عن طريق التجنيد السياسي المباشر، وعن طريق صناديق الاقتراع، ولا فرق. إذ ثمة علاقة عكسية مباشرة بين ازدياد الحديث عن الإصلاح، وبين آلية تكوين النخب، ما جعل مشروع الإصلاح، الذي هو مستقبل الدولة وخيارها للتجدد والاستقرار والاستمرار، بدون أنصار حقيقيين داخل مؤسسات الدولة؛ أي إننا أمام مفارقة ستكون نتيجتها ازدياد الفجوة بين الأمرين. هذه الوقائع تضع مستقبل الإصلاح على المحك.
سنكذب على أنفسنا إذا ما حاولنا تجاوز هذه الحقيقة؛ فالأزمة تتعقد يوما بعد يوم، ولا توجد ضمانة حقيقية لحماية أي منجز ديمقراطي ما دامت هذه الحالة مستمرة. وهنا فإن الدعاية التقليدية التي تنتج من قبل هذه الطبقة السياسية، تحرم الرأي العام من القدرة على تحديد المصالح الوطنية والصالح العام، وإدراك مصادر التهديد الحقيقية، والتقدير الموضوعي لمواجع الدولة والمجتمع.
أزمة النخبة تقدم اليوم إجابة واحدة عن مائة سؤال وأكثر: ما الذي يجعل الفساد يتمدد بأشكال متعددة، ويضرب بعرض المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء؟ وكيف تصبح قضية تجاوز سائق في مديرية حكومية صغيرة بثلاثة لترات من البنزين قضية فساد عاجلة، يُحقق فيها وتستدعي وقفه الفوري عن العمل، بينما لا يتحرك ساكن في سرقة ناقلة نفط بأكملها على سبيل المثال؟ كيف يتم إفشال التنمية، وتحرم قواعد عريضة من المجتمع من حقوقها؟ ما الذي يجعل العلاقات الخاصة، من علاقات قرابية وشللية ومنفعية، وعلاقات تبادل المصالح وغيرها، هي المنافذ الأوسع لتكوين النخب وتصعيدها؟ هناك إجابة واحدة على ذلك، وعلى ما يحدث تحت القبة.
basim.tweissi@alghad.jo
الغد