جلسة مجلس النواب السابع عشر الأخيرة رسمت مستقبله، وعبرت عن جوهر حقيقته التي لم يستطع إخفاءها طويلاً، واستطاع بعض النواب أن يرسموا لوحة الأردن في هذه المرحلة الأخطر من تاريخه الحديث، واستطاعوا أن يزيلوا الضباب من أمام عيون الشعب الأردني حتى يتمكن من رؤية المشهد بطريقة واقعية ملموسة.
المجلس ثمرة طبيعية لمنظومة تشريعية، ومنهجية طويلة في طريقة إدارة الدولة، ومجموعة أعراف غير سليمة جرى ترسيخها عبر عقود مصحوبة بتحكم طاقم من النخب التي استأثرت برسم معالم المشهد المحلي ونسجت خيوطه بشكل متفرد بعيداً عن الحضور الشعبي الحقيقي الفاعل والمؤثر، ولذلك لا غرابة ولا مفاجأة فيما جرى في جلسة المجلس الأخيرة وتكرار ما جرى في جلسات سابقة في مجلس الـ(111)!! لأنه باختصار: "إنك لا تجني من الشوك العنب".
المظهر الأخطر في المشهد المحلي ارتفاع منسوب الإحباط لدى جماهير الشعب الأردني، والوصول إلى حالة من فقدان الأمل، مما يؤدي بشكل حتمي إلى تردي مستويات الثقة بين الأطراف الفاعلة، وتدني مستوى الرؤية لطريق الحل، وزيادة المشهد قتامة وضبابية، يؤدي بشكل حتمي إلى فصل آخر من المفاجآت غير المتوقعة، والخارجة على سياق التحكم بخيوط اللعبة وضبط عناصرها!!
ليس من باب المبالغة والتهويل، وليس من باب النظرة السوداوية العدمية الوصول إلى هذه المخاوف من تداعيات هذه الحادثة، حيث من الممكن تطويق الحديث وإجراء مصالحة بين النواب المتخاصمين وشرب فنجان القهوة العشائري في مضارب أحدهم، ولكن ما يجب الوقوف عليه بتأمل وإمعان نظر هو مجموعة العوامل والأسباب الحقيقية التي تنتج هذه الظاهرة والوقوف على البيئة الشاملة التي أدت إلى إيجاد هذا النمط من العقليات وهذا الطراز من الشخصيات الذي يتحمل مسؤولية تمثيل الشعب الأردني في أعظم مهمة شعبية وأخطرها على الإطلاق التي تتمثل بالتشريع والرقابة وحماية الدولة ومصالح الأمة.
هذه الحادثة ينبغي أن تقود العقلاء إلى مزيد من الرويّة والحكمة في معالجة الأمور بعيداً عن الاسترسال في تكرار المشهد نفسه مرة بعد مرة، ويجب المسارعة إلى التفكير في إيجاد نقطة البدء التي تتمثل بالاتفاق إلى توصيف الواقع بشكل دقيق والاعتراف بالمشكلة، ولا بد من الشروع في عمليات الإسعاف الفوري الذي يقتضي الصحوة التامة والإحساس بالألم وتلمس الجرح بروح التواضع والمثابرة.
الحقيقة التي يجب أن لا نمل من تكرارها والتأكيد عليها هي :أن الإصلاح الجوهري العميق ضرورة وليس ترفا ولا عملا شكليا وليس نوعا من الاستعراض الإعلامي وليس باللجوء إلى منطق التبرير والتواري خلف المصطلحات الإصلاحية والألفاظ التغييرية التي تجمل الواقع السابق وتعيد إنتاجه بطرق تسويقية على طريقة "الفوتوشوب"!!
الوجه الآخر من الحقيقة أن التغيير والإصلاح المنشود يجب أن يتمثل بتغيير جراحي عميق بالنظام السياسي الذي يؤدي إلى تغيير منهجية إدارة الدولة وتغيير التشريعات والأدوات ، وتغيير السياسات والاستراتيجيات ، وتغيير الأشخاص والعقليات ، بطريقة سلمية حضارية توافقية ، بعيدة عن العنف والدم والفوضى.
أما الأمر غير المنطوق الذي يتم تجاهله والالتفاف على سماعه بوضوح أن الظروف لا ترحم من لا يدرك سنة الكون وقوانين التغيير الاجتماعي ، ولن ننتظر طويلا على تكرار الخطأ ألف مرة ، حتى لو كان مصحوبا بوهم خداع النفس والقدرة على تضليل العامة ، ولا يجوز الاعتماد طويلا على صبر الجماهير وقوة احتمالها الخارجة على مقاييس البشر ومعايير أصحاب السياسة وأرباب المصالح.
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
العرب اليوم