عمون - تيسير النجار - ما أن تنتهي من قراءة كتاب "أوجه المكعب الستة / ألعاب اللغة عند فتغنشتاين " لمؤلفه الكويتي عقيل يوسف عيدان حتى تحس انك تحتاج لقراءة ثانية للكتاب وهذا ما فعلت على مدار شهر وذهني لا يفعل شيء سوى التفكير بهذا الكتاب الذي يعلمك الكثير مما لم يسبق لك ان تعلمته .
يعدّ هذا الكتاب من الاهمية انه يطالبك بإعادة فهمك للمعرفة ..معرفتك التي تأخذها الذاكرة على محمل الجد ، ويطالبك بنبذ المعرفة بوصفها مجرد معرفة لقيطة لا تمتد جذورها لذاكرة مشتركة فيما بين البشر وتلك ذاكرة اللغة ..انها اللغة التي ما ان تنتهي من قراءة الكتاب حتى تعيد فهمك لها .
الكتاب يقول ان ثمة عبد الرحمن بدوي جديد بيننا كعرب علينا ان نتقصى اخباره ونقترب من شرف معرفته وتقصي ما يمكننا من فلسفته وعلى الأخص اننا شعب لا يقترب من الفلسفة بوصفها طريقة فهم وحياة .
جهد لافت ونسق بحثي عميق في داخل هذا الكتاب الذي يقرع بجرسه معرفتنا المسبقة بالاشياء والحياة يقدمه لنا الفيلسوف عقيل يوسف عيدان وهنا اقتبس :" ان معنى أيّ كلمة أو عبارة إنما يتحدد بحسب اللّعبة اللغوية التي ترد فيها ، وأنه لا يجوز الحديث عن معنى لهذه الألفاظ إذا لم نأخذ بعين الاعتبار اللعبة اللغوية التي وردت فيها ، كما ان طريقة الاستخدام إنما تحدد بهذه الّلعبة اللغوية " .
يكشف لنا الكتاب عن حياة فيلسوف يسكنه الغموض وعمق الحياة وقسوتها :" الالعاب اللغوية تتغير ، وهناك العاب لغوية جديدة تستحدث وكأن لألعاب اللغة حياة كاملة حيث تولد وتتطوّر وتدخل في حيز النسيان " ويضيف مؤلف الكتاب :" ألعاب اللغة صورة من صور الحياة فهي في تطوّر وتبدّل مُستمرين".
في هذا الكتاب نصل صفحة ..صفحة ان الفيسلوف عقيل يوسف عيدان يكتشف فيلسوفا اخر هو فتغنستاين ويقدمه للقارئ العربي بصورة فيها من لذة المعرفة ولذة الاكتشاف ما فيها .
في هذا الكتاب لا تغذو المعرفة مجرد حصول على معلومات وارقام وانما تغد المعرفة وسيلة حياة واكتشاف ومُتع تتسع لها الذاكرة وكأن هناك من يفتك بظلمة الجهل من خلال لعبة هي لعبة اللغة .
الكتاب يأخذنا لاعادة التفكير بالكثير مما مُسلم به وهنا تكمن قوة الكتاب فان كانت اللغة مسلم به او مقدسة فاننا نجد الكتاب يقدم لنا دعوة ان نفهمها وفق التالي :" الكلمة لا تحمل المعنى لوحدها نحن من يشحنها".
يقول مؤلف الكتاب : ليس هناك من شخصية اختلف حولها الناس مثلما اختلفوا حول الفيلسوف البريطاني المساوي الاصل لودفيك فتغنشتاين فبقدر ما كان عبقريا في بناء فلسفة جديدة بقدر هدمه للفلسفة نفسها التي بدأها وتأسيس فلسفة جديدة أخرى " .
وان كان الفيلسوف فتغنشتاين لم ينشر في حياته الاّ كتابا واحدا "رسالة منطقية فلسفية" فان الفيلسوف العربي عقيل يوسف عيدان لديه من المؤلفات :" العقل في حريم الشريعة " ، و"آنا ماري شيمل : الجميل والمقدس " ، وكارل بوبر في الحرية والديمقراطية" ، و" التنوير في الانسان" ، و" شؤم الفلسفة " .
هنا اقدم دعوة واضحة لقراءة هذه المؤلفات والعمل من قبل المؤسسات العربي على تكريم هذا الفيلسوف الذي تعد قراءة اعماله تكريما للعقل والفكر ولاعادة بناء الانسان الذي اصبح كل ما يحتاجه هو البناء الروحي والفكري ولعل دائما افضل وسيلة للمعرفة هي المحبة ... محبة العباقرة يعيشون بيننا وتتجلى تلك العبقرية بـ "عقيل يوسف عيدان" .
وتجدر الاشارة ان الفيلسوف فتغنشتاين الذي اختبارته مجلة تايم للحديث عن اعظم شخصيات العلم والفكر في القرن العشرين عاش ما بين 1889 — 1951 وولد في فيينا بالنمسا ودرس بجامعة كمبردج بإنجلترا وعمل بالتدريس هناك. وقد حظي بالتقدير بفضل كتابه رسالة منطقية-فلسفية وبحوث فلسفية. عمل في المقام الأول في أسس المنطق، والفلسفة والرياضيات، وفلسفة الذهن، وفلسفة اللغة. ينظر إليه عادة باعتباره من أهم فلاسفة النصف الأول من القرن العشرين. اعتقد فتغنشتاين أن معظم المشاكل الفلسفية تقع بسبب اعتقاد الفلاسفة أن معظم الكلمات أسماء. كان لأفكاره أثرها الكبير على كل من الوضعانية المنطقية وفلسفة التحليل.