التنفيذ السيء لمبادرة نبيلة
11-12-2007 02:00 AM
لقد هزني من الاعماق ، ما قرأته قبل ايام عن تسمم طلبة مدارس في لواء دير علا ، بعد تناولهم الحليب الذي يقدم لهم مجانا ، تنفيذا للرغبة الملكية السامية قبل سنوات ، والتي جاءت نتيجة احساس جلالة الملك بحاجات بعض ابناء شعبه ، ممن كتب لهم ان يكونوا من ذوي الدخل المتدني او المعدوم ، ولا اقول المحدود ، والذين لا تستطيع عائلاتهم توفير ابسط مقومات الحياة لهم . لقد شهد كل الاردنيين لجلالة الملك ، جولاته الميدانية لكل ارجاء المملكة ، والى بؤر الفقر فيها ، وادرك الملك عن قرب وتلمس احتياجات تلك الفئات المسحوقة ، فكان للطلبة الفقراء النصيب الاكبر من مكارمه ، ففي بداية كل عام حقيبة مدرسيه لهم ، وفي الشتاء معطف يقيهم البرد ، وهم بحاجة الى كل ذلك ، فلقد سمعت عن قصص الحرمان من اناس كثيرين عايشوها ، والتقطها جلالة الملك الهاشمي ، فكانت توجيهاته الى وزارة التربية والتعليم قبل سنوات ، بتقديم المساعدة الغذائية للطلبة الفقراء ، فوقع الاختيار على آلية توزيع حبوب فيتامينات على جميع الطلبة ، سواء الفقير الذي هو بامس الحاجة لها ، او الغني المتخم بها ، او المتوسط الحال والذي هو على الاغلب لا يحتاجها ، وكان ذلك تنفيذا غير موفق للتوجيهات الملكية واهدافها ، وكان الاجدى ان تخص بها فئة الطلاب الفقراء .
لقد سمعت ايضا عن توزيع الفاكهة في فترات ما ، علمت ذلك بعد ان سمعت عن قصة معاناة ، ففي احدى المدارس ، وفي يوم مثلج ، سار احد الطلبة على قدميه الى المدرسة ، وعندما وصل وابلغته المديرة بان اليوم هو يوم عطلة بسبب الثلج ، لم يجد حرجا في ان يطلب منها حصته من الفاكهة وهي حبة تفاح ، ولربما كانت هي السبب لذهابه الى المدرسة في ذلك اليوم المثلج ، كي يعود بها فرحا لمنزله ، ربما ليفرح بها اخا اصغر ، او ابا مريضا لا يستطيع تامين مثل هذه الفاكهة لابنائه وله .
مثل هذه القصص ، وربما الاسوأ منها ، والتي بالتاكيد قد سمع بمثلها جلالة الملك ، او ربما شاهد مثلها بام عينه ، اثناء جولاته الميدانية على ابناء شعبه في كل ارجاء الاردن ، هي وراء الاهتمام الملكي المستمر بحاجات هذه الفئات المسحوقة ، فكانت الترجمة العملية مخيبة للامال ، لان بعض القائمين على تنفيذ هذه التوجيهات ، لم يستطيعوا ان يعيشوا عمق الملك الانساني ، وعمق معاناته مع فقراء شعبه ، فكانت التنفيذ العملي السيء للرغبة الملكية ، وها هو الدليل في قصة تسمم الحليب في مدارس دير علا .
لقد لفت انتباهي في عنوان الخبر ، وكما اوردته الصحف ، هو ان اهالي الطلبة تمنوا على وزارة التربية ، وقف توزيع الحليب على ابنائهم ، فليس معنى ذلك ان الاهالي قادرون في خضم هذا الارتفاع الجنوني في الاسعار ، على تامين الحليب ، بل لان سلامة وحياة ابنائهم، اصبحت اهم من تناول الحليب ، بعد ان ادخلتنا قصص التسمم المتكرر في الاردن خلال العام الماضي ، موسوعة جينيس ، فصرنا في المراتب الاولى بالتسمم وحوادث السيارات ، وفي هذه الاخيرة للاطفال النصيب الاكبر من فظائعها .
وكما لفت انتباهي ايضا ، الصورة التي رافقت الخبر ، حيث السيد الوزير ومرافقيه ، يتبادلون الابتسامات اثناء زيارتهم للطلبة المتسممين في المستشفى ، ولمن يرى الصورة فقط دون ان يقرأ عنها ، يهيأ له ان انجازا طبيا هائلا قد تحقق في احد المستشفيات الاردنية ، يستدعي فخر وفرح وابتسامة كل الاردنيين .
واخيرا نقول لأولي الامر : اتقوا الله في غذائنا وغذاء اطفالنا ، وجربوا ان تتمثلوا المعاني الوطنية والانسانية لمبادرة الملك ، الذي يقضي الليل والنهار ، في حل وترحال ، خدمة لابناء شعبه وسعيا لرفعة الاردن ، فليكن الملك قدوتكم ، وتمثلوا صنائعه ، ولا تسيئوا الى مبادراته النبيلة السامية بتقاعسكم واهمالكم .
m_nasrawin2yahoo.com