العنف في الجامعات .. والبيئة الجامعية !!
د.احمد القطامين
11-12-2007 02:00 AM
بين فينة واخرى نسمع من وسائل الاعلام عن عنف طلابي في جامعة او اخرى، ثم يتضح فيما بعد ان المعارك الطلابية ما هي في الحقيقة الا انعكاس لحقيقة واحدة وهي ان الجامعات لم تنجح في خلق اجواء تعلمية حضارية تنتقل بالطالب من بيئته الاجتماعية العشائرية المتزمتة الى افاق ارحب تتسم بالعمق وفهم معادلة الحقوق والواجبات. العنف الطلابي يتفجر عادة لأن الطالب "فاضي اشغال" ولا يشعر بانتماء حقيقي لا للجامعة التي يدرس فيها ولا للعملية التعليمية التي يفترض بأنه يعيش في اجواءها، فالمكتبات في الجامعات على سبيل المثال لا تزيد عن كونها مخازن للكتب والمجلات العلمية يديرها موظفون يقضون اغلب اوقاتهم في تبادل النكت عبر موبايلاتهم وينتمون الى "اوضاعهم الخاصة" اكثر من انتماءهم الى ما تمثله المكتبة من فكر ووعي وتحليق في افاق العلم والمعرفة.
اما المحاضرات فهي تجربة منهكة حيث يسمع فيها الطالب تلقينا لا يمت الى معطيات العصر بصله وهو جالس على مقعد مهترئ يميل بالطالب الى الامام ضاغطا على عموده الفقري الغض، فما ان تنتهي المحاضرة حتى يتنزع الطالب نفسة منها بقوة للخروج متوترا الى باحات الجامعة ليضع نفسه ضمن مجموعته المعتادة التي تتبادل الاستفزاز مع مجموعات اخرى لأتفه الاسباب.
عند حدوث مشاكل من هذا النوع في اي من جامعاتنا، يتداعى مجلس العمداء على عجل لتدارس الرد، ويبدأ النقاش المتوتر الى اقصى حدود التوتر ويميل الجميع الى ضرورة فرض عقوبات رادعة لعلها تكون درسا للاخرين ويفصل الطلبة المتسببين في العنف، وما هي الا ايام قليلة حتى تبدا سلسلة اخرى من المعارك الطلابية، ويتداعى المجلس للانعقاد لتدارس الوضع، وهكذا.. حلقة مفرغة جهنمية تدور وتدور دون افق واضح للتعامل العلمي التربوي الحقيقي مع اسبابها ومعطياتها.
لقد اثبتت التجارب ان العقوبات حل فاشل لمشكلة مستعصية لها اسباب لا ترغب ادارة الجامعات في الاعتراف بها. ان المشكلة اننا نتعامل مع المشاكل الطلابية بعقلية لا يمكن ان تؤدي بنا الى حلول.. ان المشكلة الطلابية مشكلة تربوبة في المقام الاول.. وهي مشكلة اكاديمية تنبع من عدم وجود بيئة تنظيمية في الجامعات تساعد الطالب على الاندماج في سلسلة من الانشطة الجذابة علميا وانسانيا والتي تسعى الى تنمية مهارات الطالب العلمية والسلوكية وترتقي بالتالي بطريقته في التفكير وفي النظر الى الحياة والظواهر من حوله نظرة جديدة متسقة مع الوظيفة الاساسية للطالب (تلقي العلم وتنمية مهارات الحياة).
ان الطالب يدخل الى الجامعة كمادة خام ليخضع لعملية تغيير المعطيات الاساسية في شخصيته ليخرج فيما بعد الى سوق العمل مسلحا بالثقة بالنفس والمعرفة والمهارات الضروية للقيام باعمال تؤدي الى تقدم المجتمع وازدهاره. اذن يصبح الخلل في تمكين الطالب من الاستفادة الفعالة من حياته الجامعية خللا ينتقل الى المجتمع فيما بعد ليصبح وقودا اخر للتخلف الوظيفي ومعرقلا اخر لتنمية المجتمع ومانعا اخر لاي تقدم فيه.
فرحمة ايتها الجامعات بابنائنا وبناتنا.. وبالوطن...
qatamin8@hotmail.com