منذ أول حكومة تشكلت في العهد الجديد لجلالة الملك عبدلله الثاني، ونحن ندعو إلى تغيير آلية تشكيل الحكومات، وأن يرتبط العهد الجديد بتجاوز الطريقة القديمة لتشكيل الحكومات التي تتجاهل البرلمان وتترك النواب مثل أي مواطن يتلقون خبر رحيل حكومة ومجيء أخرى من الإعلام، بل ويتسقطون الأخبار من الصحفيين عما يحدث ويمكن أن يحدث.
وكتبنا بلا انقطاع، مع كل حكومة تشكلت، داعين إلى تجاوز النهج القديم وولوج عهد الحكومات البرلمانية المنتخبة بوصفه الركن المركزي في الديمقراطية. وكنا نقول لمن يعترض بحجة عدم وجود أحزاب برلمانية إن الانتقال إلى هذه الآلية لتشكيل الحكومات سيعطي الدفعة الضرورية لبلورة أحزاب برلمانية بفعل تغير دور النواب من وسيط خدمات محلي بين الشعب والحكومة إلى شركاء حقيقيين في القرار. وهذا ما تحقق أخيرا في مشروع الإصلاح السياسي وما اخترناه من مسار للربيع الأردني.
يجب أن أعترف أنني كنت أكثر تفاؤلا بالطريقة التي سيدير بها النواب هذا الأمر وقد حصلوا أخيرا على هذه الفرصة للمشاركة في إنشاء الحكومات ابتداء بالتنسيب باسم رئيس وزراء مقترح لجلالة الملك. وقد عملنا في كتلة التجمع الديمقراطي مع كتل أخرى على بلورة ائتلاف نيابي يحقق أغلبية، لكن المشروع فشل ولا حاجة أن نقول كيف حدث ذلك، فالعكس كان هو المعجزة التي لم تتحقق. وها نحن مرة أخرى نكتشف صعوبة التغيير.
اقترح مع ذلك على المعلقين والإعلاميين ان يترووا قليلا في الخروج باستنتاجات محبطة، فإن شيئا مهما جداً تحقق حتى لو لم ينجح مشروع بلورة أغلبية من ائتلاف كتل تنسب بصورة مشتركة باسم رئيس كما كان مشروعنا الذي لم يرَ النور. فهذه المرة الأمور مختلفة فعلا وقد دخلنا للمرة الأولى في التداول الفعلي بأسماء رؤساء لتشكيل الحكومة بدل أن نتحزر حول الرئيس المحتمل ثم حول أسماء الوزراء.
لقد نسبت كتل بأسماء مقترحة، ونعرف سلفا ما هي الاحتمالات المقبلة؛ فالرئيس المكلف سيكون من بين الأسماء التي تم التنسيب بها، أو أخرى يتوقع جلالة الملك أن تتمكن من تشكيل أغلبية، وهو ما سيبدأ الرئيس المكلف العمل على نسجه، فإن فشل في ذلك، فسيكلف الملك شخصية أخرى، وبالنتيجة فإن تركيبة الوزارة ستكون واضحة للنواب، وقد حصلت سلفا على رضا أغلبية يذهب بها الرئيس المكلف إلى جلالة الملك لكي تمضي العملية الدستورية في مسارها المعروف.
قد لا تتشكل الحكومة الأفضل، وسنكون أمام معضلة التوزير التي يختلف النواب حولها بين من يريد استمرار الفصل بين النيابة والوزارة في المرحلة الحالية - وأنا منهم - ومن لا يريد، وأرجح في الحالة الثانية أن يكون الوضع أسوأ بسبب السباق المحموم على المناصب الوزارية، لكن في كل الأحوال نكون قد دخلنا مخاض التغيير وكرسنا توجها جديدا، وأضع الورقة الثالثة النقاشية لجلالة الملك برسم النظر عند من يريدون المباشرة بالتبشير بفشل مشروع الحكومات البرلمانية والعودة إلى الطريقة القديمة، فالورقة تواصل ما بدأته الورقتان السابقتان قبل الانتخابات النيابية، وتنطلق من واقع عدم وجود كتل نيابية حزبية، لترسم خريطة طريق رؤيوية جريئة للتقدم، ابتداء من تطبيق الحكومات البرلمانية وفق الواقع القائم، وصولا إلى الصيغة النموذجية لتناوب ائتلاف الأقلية والأغلبية على الحكومات.
jameel.alnimri@alghad.jo
الغد