ما أسهل أن تكون "معارضا" اليوم ... ولكن... ما أصعب أن تكون " منتميا" !
ليس "الشجاع" من يقول (لا) ... وليس "المنتمي" من يقول (نعم) ... قول (لا) وقول (نعم) هي بالأصل صناعة متراكمة لثقافة شاقة يجب اعادة تصنيعها من جديد. تستطيع أن تقول (لا) وتكون أكبر المنتمين, وتستطيع أن تقول (نعم) وتكون أكبر من مسيلمة ... وأكبر المنافقين!
"الموضه" اليوم تقول, اذا أردت ان تصبح معارضا "شعبيا" فما عليك الّا ان تقول (لا) لرفع الاسعار ... هيك بتصير معارض ونص! الرأي في قضية رفع الاسعار أصبحت سلعة يتاجر بها البعض لدغدغة مشاعر المواطنين وكسب ودهم ومشاعرهم. فمشكلتنا الأساسية ليست مقرونة ب (نعم) أو (لا) ولكنها متجذّره بثقافتنا ... نعم بثقافتنا ... ثقافتنا في مفهوم "المعارضه" ولماذا نعارض ونظرتنا للمعارضه... وكذلك القول في ثقافتنا في مفهوم "الانتماء" وكيف ننتمي ونظرتنا للانتماء.
انا بصراحة مع رفع الاسعار اذا تألم وطني وهو بحاجة لكل قرش ليبتاع دواؤه ليقف على قدميه معززا مكرما.. ولكن يكون هذا في ظل جو ديموقراطي نزيه... في جو تكون الثقة هي سيدة الموقف بين الحكومة والشعب .. في جو عندما تجتهد الحكومات المتعاقبة جاهدة فيه لتلبية حاجات وطموحات مواطنيه وعيبها فقط انها فشلت في الاجتهاد ... وفي جو من الشفافية وعن غير قصد... عندها اقدم نفسي لتلك الحكومه عن قناعة واقول (نعم) لرفع الاسعار ... بارك الله فيكي أيها الحكومه اجتهدتي ولكن أخطأتي ولك أجر على ما فعلتي من الله قبل العبد... وهذه أموالي ودمي مدتا اليكي!
امّا في ظل استشراء الفساد وغياب الشفافية والمزاجية في "الوطنيه" والقرار, وعندما يكون فجوة الثقه كبيرة بين المواطن والحكومة, كما بين السماء والارض, وكما بين الشرق والغرب, عندها, فمهما كان مستوى المعيشة عندي, غنيا كنت أم فقيرا, فسأقول (لا) لرفع الاسعار ... ولو بقرش واحد!
من هذا الرحم ومن هذا المنطق يجب أن يُصاغ وتُؤسس ثقافة (لا) وثقافة (نعم), وعندها نستطيع أن نؤسس مؤسسة "المعارضة" وكذلك لننشأ ثقافة مؤسسة "الانتماء" بالعقل والمنطق والتجربه والممارسة. وعليه, أن تقول (نعم) أو (لا) بقناعة وايمان, و لو خالفني الرأي, أفضل بكثير من قول (نعم) أو (لا) غير صادقة ومبرمجه ولو اتفق معي في الرأي. ومن هنا, رفض رفع الاسعار يحب أن لا يكون مقرون بمستوى المعيشه للمواطن, بقدر ما اذا كانت هنالك "سبب" يرقى الى قناعة المواطن لرفع الاسعار!
الخاتمة: "المعارضة ما بين اليوم والأمس!
بالأمس ... ما أصعب أن تكون معارضا وما أصعب قول (لا) , امّا اليوم ... فما أسهل أن تكون “معارضا” وما أسهل من قول (لا)... "أمّا المدللة" (نعم) فما أسهلها في الأمس ... وفي اليوم! بالأمس كان المعارض صاحب مبدأ ورؤيه وتضحية, يعيش مطاردا ويموت فقيرا ... وامّا اليوم فأصبح هنالك "دخلاء" على المعارضة, أصبح بعضهم, وأشدد على كلمة بعضهم, من "رجال أعمال معارضين", أثرياء ويورثون الغنى, ويجدون في المعارضة صنعة للتوسع والسيطرة والاستقواء والابتزاز, يرون في "المعارضة" أفضل الاستثمارات والصفقات, "بيزنس من" حتى النخاع, يضاربون ويساومون على امال المواطنين وضمائرهم, يقامرون ويعقدون الصفقات, بدون رؤية ولا مصداقيه ولا تضحية. كانت بالأمس "فعل وعمل" صادق ... واليوم أصبحت "صفة ونعت" فارغ ... للتجارة وللشهرة والابتزاز .. لا أكثر ولا أقل.
عندما نعرف متى ولماذانقول (لا) ام (نعم) يستقيم امرنا وهذه ذروة مبلغ الاصلاح والنبوغ. يجب اعادة النظر في مفهوم المعارضة وفي كيفية النظر الى مثل هذه المفاهيم بشكل ناضج ومتزن وعن قناعة. للمعارضه كفكر اصلاحي نابع من العقل والقناعة الشخصية وليس "كموضة" موسميه يتم ارتدائها مع "المعية" وخلعها عند الخوف .... فلا يجب تقزيمها كسلعة تجارية لتمجيد الذات وتلميع الصورة ... تهب مع هبوب الرياح وتقف عند "وقوف القلب" أوالريموتكونترول!
Dr_waleedd@yahoo.com